السؤال: أنا أشرف على بعض المنتديات .. وتمر علي أحياناً بعض المواضيع أو المشاركات التي يكون فيها إساءة لبعض الأشخاص علناً ، ممن اشتهروا بالفسق والمعاصي حيث يطلق عليهم لقب الفاسق أو المجرم أو الخبيث أو نحو ذلك .. فما رأيكم حول هذه الكلمات هل ندعها بحجة أنهم هم من أهل الفسق وأنهم هم من جاهروا بمعاصيهم وجعلوا أنفسهم عرضة للتحدث عنهم أم أحذف هذه الكلمات وليس علي إثم في حذفها ؟؟ أفتونا بارك الله فيكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين ..
الجواب :
الحمد لله
أولا :
إذا كان هذا الشخص المشار إليه ، أو غيره ، متعالنا بفسقه وفجوره ، كأهل الرقص والمجون ، ودعاة السوء : فهذا لا حرمة له في ذلك ، ويجوز ذكر ذلك عنه ، إذا كان في ذكره مصلحة شرعية ، من تحذير للناس من فعله ، ونهيهم عن سبيله ، ونحو ذلك من المصالح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا غيبة لفاسق : فليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه مأثور عن الحسن البصري أنه قال : أترغبون عن ذكر الفاجر ؛ اذكروه بما فيه يحذره الناس ...
وهذا النوعان يجوز فيهما الغيبة بلا نزاع بين العلماء :
أحدهما : أن يكون الرجل مظهر للفجور ، مثل الظلم والفواحش والبدع المخالفة للسنة ؛ فإذا أظهر المنكر وجب الإنكار عليه بحسب القدرة ، ويهجر ويذكر ما فعله ، ويذم على ذلك ، ولا يرد عليه السلام إذا أمكن من غير مفسدة راجحة . وينبغي لأهل الخير أن يهجروه حيا إذا كان في ذلك كف لأمثاله ، ولا يشيعوا جنازته . وكل من عَلم ذلك منه ولم ينكر عليه فهو عاص لله ورسوله . فهذا معنى قولهم : من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له .
بخلاف من كان مستترا بذنبه مستخفيا : فإن هذا يستر عليه ، لكن ينصح سرا .
النوع الثاني : أن يستشار الرجل في مناكحته ومعاملته أو استشهاده [ يعني : جعله شاهدا على عقد ونحوه ] ، ويعلم أنه لا يصلح لذلك : فينصح مستثيره ببيان حاله ؛ فهو كما قال الحسن : اذكروه بما فيه يحذره الناس ؛ فإن النصح في الدين من أعظم النصح في الدنيا " انتهى . "مختصر الفتاوى المصرية" (503) .
ثانيا :
إذا جازت غيبة الفاسق المتعالن بفسقه ، أو ترجحت لمصلحة شرعية ، فإن الواجب ألا يتجاوز ذلك حدود ما تهتك فيه من المعاصي ؛ فلا يجوز أن يحمل عليه ـ ظلما وبهتانا ـ ما لم يتحقق القائل أنه فعله من المعاصي ، ولا يجوز أن يذكر عنه ما استتر به بينه وبين ربه .
قال المناوي رحمه الله :
" (اذكروا الفاجر) الفاسق (بما فيه) : من الفجور ، وهتك ستر الديانة ؛ فذكره بذلك من النصيحة الواجبة لئلا يغتر به مسلم فيقتدي به في فعلته ، أو يضله في بدعته ، أو يسترسل له فيؤذيه بخدعته .
وبيَّن قولُه : ( بما فيه ) : أنه لا يجوز ذكره بغير ما فيه ، ولا بما لا يعلن به .
قال ابن عون : دخلت على ابن سيرين فذكرت الحجاج ؛ أي : بما لم يتظاهر به . فقال : إن الله ينتقم للحجاج ، كما ينتقم منه ؛ وإنك إذا لقيت الله غدا كان أصغر ذنب أصبتَه أشدَّ عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج !!
وأشار بقوله : ( يحذره ) : أي لكي يحذره الناس ، إلى أن مشروعية ذكره بذلك مشروطة بقصد الاحتساب ، وإرادة النصيحة ؛ دفعا للاغترار ونحوه مما ذكر ؛ فمن ذكر واحدا من هذا الصنف تشفيا لغيظه أو انتقاما لنفسه أو احتقارا أو ازدراء ونحو ذلك من الحظوظ النفسانية فهو آثم ، كما ذكره الغزالي ثم السبكي فيما نقله عنه ولده " انتهى .
"فيض القدير" (1/151) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" هل يجوز غيبة تارك الصلاة ؟ " .
فأجاب :
" الحمد لله
إذا قيل عنه إنه تاركُ للصلاة ، وكان تاركَها : فهذا جائز . ويَنبغي أن يُشاعَ ذلك عنه ويُهْجَر حتى يُصلي ، وأمَّا مع القدرة فيجِبُ أن يُستَتابَ ، فإن تابَ وإلا قُتِل " .
"جامع المسائل" (4/122) .
على أنه متى تردد القائل أو الناشر في حصول المصلحة الشرعية الراجحة من وراء ذلك : فالواجب عليه إيثار السلامة ، وتغليب حرمة المسلم على ذكر قول لا يتيقن من نفعه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب