ظهرت في الأفق القريب بوادر غزو فكري جديد، ومظاهر من الحقد الصليبي الدفين على الإسلام، وكتابه، ونبيه صلى الله عليه وسلم. فماذا وراء هذه الأكمة؟ إنه كتاب يصطنع رسم القرآن الكريم، ويحاول أن يترسم خطا أساليبه، وتم توزيع هذا الكتاب على المكتبات الأمريكية والأوروبية الشهيرة، إضافة إلى المنتديات الرياضية والفنية الأوسع انتشارا، كما نشر في الإنترنت، وفي المدارس الأجنبية في بعض البلاد العربية، التي يدرس فيها بعض أبناء المسلمين، وقد أعد بمشاركة إسرائيلية مع الإدارة الأمريكية، واستغرق العمل فيه سنوات. وطبع عام 1999م في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، أما الناشر والموزع فهو: (wine pressomega 2001) ويحمل اسم (الفرقان الحق) والهدف منه إلغاء القرآن الكريم، وتقديم (الفرقان الحق) بديلا عنه، وتهيئة الرأي العالمي لحرب صليبية جديدة ضد المسلمين.
وهذا الجزء المنشور هو من اثني عشر جزءا أخرى ستصدر قريبا، وتحمل الاسم نفسه، ويقع في 366 صفحة من القطع المتوسط، وكتب باللغتين الإنجليزية والعربية، واشتمل على المقدمة، والبسملة (أ) وسبعة وسبعين موضوعا سماها سورا، تبدأ بالفاتحة، وتنتهي بالشهيد، ثم الخاتمة (ي) والتي ختمها بكلمة آمين.
يتضمن كل موضوع (سورة) عددا من المقاطع (الجمل) المرقمة وتقل في بعض (السور) إلى ستة مقاطع، وتزيد في أخرى على ثلاثين مقطعا.
وتقوم جماعة يهودية متطرفة داخل إسرائيل بإعداد تفسير لهذا الكتاب، والمقارنة بينه وبين القرآن الكريم حتى تثبت بشرية القرآن، وأنه ليس كتابا سماويا وفق زعمهم.
وقعت المقدمة باسم اللجنة المشرفة على التدوين والترجمة والنشر (الصفيُّ.. والمهديُّ) وهي أسماء تدعو للريبة والشك. ويزيد الأمر غموضا عندما يقال إن هذا الفرقان وحي جاء مصدقا لما في الإنجيل. (ولقد أنزلنا الفرقان الحق وحيا، وألقيناه نورا في قلب صفينا ليبلغه قولا معجزا بلسان عربي مبين، مصدقا لما بين يديه من الإنجيل الحق صنوا فاروقا محقا للحق، ومزهقا للباطل، وبشيرا ونذيرا للكافرين) (سورة التنزيل 5، 4- 325) فمتى نزل هذا الوحي المزعوم؟! وفي أي مكان؟! وعلى مَن أُنزل؟! ومن هو الصفي؟ الذي أوحى إليه (واصطفيناه وشرحنا صدره للإيمان وجعلنا له عينا تبصر وأذنا تسمع وقلبا يعقل، ولسانا ينطق، وأوحينا إليه بالفرقان الحق، فخطه في سبعة أيام وسبع ليال جليدا) (2- 360-361 من سورة الشهيد) ، وإيغالا في الإيهام والغموض يقتل هذا الصفي على يد أعدائه المسلمين (لقد طوعت لكم أنفسكم قتل صفينا شاهدين على أنفسكم بالكفر، أفتقتلون نفسا زكية، وتطمعون برحمتنا وأنتم المجرمون، لا جرم أنكم في الدنيا والآخرة أنتم الأخسرون، وختمتم بدمه أية تكوى بها جباهكم وتشهد عليكم بأنكم كفرة مجرمون، وأنه الصفي الأمين، وأن الفرقان الحق هو كلمتنا وهو الحق اليقين، ولو كره الكافرون) (7، 8- 363 من سورة الشهيد) .
يهدف هذا (الفرقان) إلى ترسيخ عقيدة التثليث، وبأن رسالة عيسى هي الخاتمة، وأنه لا رسالة ولا نبي بعده.
كما يستخدم أقسى عبارات القذع والقدح والشتم ضد المسلمين، ويصفهم بأبشع الأوصاف، ويقدح في إلههم ودينهم ونبيهم وقرآنهم، بعبارات فيها من العداء واللدد والحقد والخصومة ما يفوق الوصف.
وكثير مما وصف به القرآن الكريم اليهود والنصارى أسقطه على المسلمين، بعد تحريف الآيات لتحقيق هذا الغرض.
حتى إن أسماء الموضوعات (السور) تنضح بهذا الحقد والعداء مثل: الماكرين، (188-194) ، الأمين (195-199) ، المفترين (200-202) ، الطاغوت (209- 213) ، الكبائر (249-254) ، المحرضين (268-273) ، البهتان (274-277) ، الكافرين (300-314) .
وصف إله المسلمين - حسب زعمه - بالشيطان (.. وقام منكم ناعٍ ينعق بنقمة الباطل على الحق، وحقد الكفر على الإيمان، ونصرة الشر على الخير، فكان لوحي الشيطان سميعا) (سورة المسيح 15- 40) وتكرر هذا الوصف في أماكن كثيرة (والذين آمنوا بالإنجيل الحق وعملوا الصالحات، أولئك هم خير البرية، والذين كفروا وآمنوا بالشيطان ورسله أولئك هم شر البرية) . (سورة الإخاء8- 172) .
(يا أيها الناس إنما تتلى عليكم آيات الشيطان مضللات، ليخرجكم من النور الى الظلمات، فلا تتبعوا وحي الشيطان، واتخذوه عدواً لدوداً) (سورة الإخاء 15- 174) .
ويصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأوصاف قبيحة مثل: الأفاك (وحذرنا عبادنا المؤمنين من رسول أفاك تبينوه من بينات الكفر، وعرفوه من ثمار أفعاله، وكشفوا إفكه وسحره المبين، فهو رسول شيطان رجيم لقوم كافرين) (38 الأنبياء 16-185) .
لا يقر الكتاب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: (وما بشرنا بني إسرائيل برسول يأتي من بعد كلمتنا، وما عساه أن يقول بعد أن قلنا كلمة الحق، وأنزلنا سنة الكمال، وبشرنا الناس كافة بدين الحق، ولن يجدوا له نسخاً ولا تبديلاً إلى يوم يبعثون) (38 الأنبياء 16-185) .
كما يصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالطاغوت وقد خصه بسورة الطاغوت (209-113) .. فردد الفكر وتلا: ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، إن شفاعتهن لترتجى، وكلما مسه طائف من الشيطان زجره صحبه فاخفى ما أبدى) .
ينكر القرآن الكريم وينكر رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم: (وما نزلنا عليكم كتاباً، أو سورة، أو اية، ولا أوحينا إليكم قولا بلسان أحد منكم، وما ألهمناه، ولكن شبه لكم فصدقتموه، فضللتم سواء السبيل (سورة التنزيل 2-324) ، زعم بأن القرآن الكريم من الأساطير: ( وقام منكم من انتحل أساطير الأولين اكتتبها وأمليت عليه، بكرة وأصيلاً، وهي إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون) (سورة الأساطير 2-259) .
ويصف الشريعة الإسلامية بشريعة الكفر والقتل والضلال (سورة الهدى 5- 225) .
كما يعد طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والرجوع له في التنازع، والإيمان به، وعدم خيانته، وعدم عصيانه.. من الشرك بالله (سورة المشركين 230-240) .
هذا الفرقان المزعوم، يصف المسلمين بالكفر والنفاق والافتراء، .. وغيرها من الأوصاف القبيحة: ( لقد أفتريتم علينا شر فرية، فويل لكل مفتر زنيم، وقلتم آمنا بالله وبما أوتي عيسى من ربه ثم تلوون منكرين، ومن يتبع غير ملتنا فلن يقبل منه وهذا قول المنافقين) (سورة المسيح 18-41، و22-42) .
كما يصفهم بالضلال وبأنهم ضالون ومغضوب عليهم (يا أهل الضلال من عبادنا لو آمنتم بما قلنا في الانجيل الحق واهتديتم بهديه واستنرتم بنوره، واتعظتم بموعظته، لكنتم من عبادتنا المقربين) (المسيح 25-43) . (يا أيها الذين ظلموا من عبادنا لقد جاءكم الفرقان الحق يبين لكم كثيراً مما كنتم تجهلون من الانجيل الحق، ومما كنتم تكتمون) (سورة الصلب 1-44) .
(ورميتم عبادنا بالشرك بهتاً، وما اشركوا بنا أحداً، فهم المرضي عنهم) .
(فرقان أنزلناه نوراً ورحمة للعالمين، وما يزيد الذين كفروا إلا نفوراً، إذ جعل الشيطان على قلوبهم أكنة ان يفقهوه، وفي آذانهم وقرا، ويزيد الذين آمنوا بالانجيل الحق من قبله نوراً وإيماناً فوق إيمانهم، فهم لا يعثرون) (سورة الفرقان 13-56) .
كما وصف المسلمين بأنهم مشركون (ومن أكفر ممن افترى الكذب وأشرك نفسه بنا، وزعم أنه الموحد، وأن عبادنا الموحدين هم المشركون) (سورة الثالوث 21-67) .
وصف جنة المسلمين بأنها مواخر للزناة، ومغاور للقتلة، ومخادع رجس للزانيات، ونزل دعارة للسكارى والمجرمين (سورة الكبائر 1-249) . ويوغل في ذم المسلمين ووصفهم بأقبح الأعمال (فسيماؤكم كفر وشرك وزنى وغزو وسلب وسبي وجهل وعصيان) (سورة الكبائر 3- 259-260) .
كما وصف الدين الإسلامي بأنه دين لقيط (ولا تغلوا في دين لقيط، ولا تقولوا علينا غير الحق المبين) (سورة الفرقان 29- 69) .
وتتكرر ألفاظ بذيئة في ثنايا الكتاب من مثل: القتل، الغزو، الزنى، الفجور، اللواط، الكفر، النفاق، الضلال، الشيطان، وحي الشيطان، المكر.
يعمد الى تحريف الآيات لتحويرها عن مدلولاتها ومقاصدها مثلا في قوله: (ومثل الذين كفروا وكذبوا بالانجيل الحق أعمالهم كرماد، اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال الأكيد) (سورة الثالوث 18-66) (يا أيها الذين آمنوا من عبادنا ها أنتم أولاء تحبون الذين يعادونكم، وهم لا يحبونكم، وإذا لقوكم قالوا: آمنا بما آمنتم وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، وإن تمسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها، وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً، ولا يضرون إلا أنفسهم وما يشعرون) (سورة الخاتم 12-319) .
ويزعم هذا (الفرقان) أن الله سبحانه لم يأمر بالجهاد في سبيله، وحرص على نفي هذه الشعيرة، وبدا هذا الحرص في أكثر من مكان، لهدم هذه الشعيرة، ويصفها أنها من تحريض الشيطان: (وزعمتم بأننا قلنا: قاتلوا في سبيل الله وحرضوا المؤمنين على القتال، وما كان القتال سبيلنا، وما كنا لنحرض المؤمنين على القتال، إن ذلك إلا تحريض شيطان رجيم لقومٍ مجرمين) (سورة الموعظة 2-71) ، وبلغ به حد إنكار الجهاد بأن سمى إحدى سوره بسورة المحرضين رقم (57، ص 268-273) .
ويردد فرية أن المسلمين فرضوا الإسلام بالسيف: (وحمل الذين كفروا على عبادنا بالسيف، فمنهم من استسلم للكفر خوف السيف والردى فآمن بالطاغوت مكرها فسلم وضل سبيلا، ومنهم من اشترى دين الحق بالجزية عن يد صاغراً ذليلاً، ومنهم من تمسك بالدين الحق فقتلوه في سبيلناً) (سورة الجزية 5، 6، 8-156-157) .
وجاء في (سورة العطاء 10-116) (ورحتم تقتلون المؤمنين من عبادنا، وتكرهون الناس بالسيف على الكفر، وهذه سنة المجرمين، ألا تعساً للمنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون) .
وبأنهم هدموا الكنائس، وقتلوا القائمين عليها (.. واعتديتم على بيوت أذنا أن ترفع ويذكر فيها اسمنا، وهدمتم كنائس وبيعا يسبح لنا فيها بالغدو والآصال، وسعيتم لخرابها وقتلتم القانتين المؤمنين من عبادنا وتلكم أفعال المجرمين) (سورة القتل 5- 149) .
وإمعاناً في وصف المسلمين بالقتلة وسفك الدماء خصهم بسورة سماها سورة (القتل رقم 31-148-153) .
وقد تناول الفرقان المزعوم المرأة في مواضع كثيرة، بل خصها بأربع سور هي: النساء (24) ، والزواج (25) ، والطلاق (26) ، والزنى (27) ، وأثار فيها قضايا التعدد، والسبي، وقوامة الرجل، والميراث، وشهادة المرأة، وملامستها. (يا أيها الناس: لقد زنى من كان أحد أربعة:
مشركاً بزوجته أخرى، أو مُطلقها دون زناها، أو زوج مطلقة، أو ذا عين زانية، وفعل ذميم) (سورة الزنى 12-135) .
ويقول: (من طلق زوجته إلا لزناها فقد زنى، ومن أشرك بزوجته أخرى فقد زنى، وما للزاني إلى الجنة من طريق) . (سورة الطلاق 10-125) .
وجاء في سورة النساء رقم 24 (يا أهل الظلم من عبادنا الضالين، لقد اتخذتم من المرأة سلعة تباع وتشترى، وتنبذ نبذ النوى، مهيضة الجناح، هضيمة الجانب وما كان ذلك من سنة المقسطين، تقتنون ما طاب لكم من النساء كالسوائم تأسروهُن حبيسات وهن حرث لكم تأتون حرثكم أنى شئتم، ذلك هو الظلم والفجور، فأين العدل، فللذكر مثل حظ الانثيين وهي نصف شاهد، فإن لم يكن رجلان فرجل وامرأتان، فللرجل عليهن درجة، وهذا عدل الظالمين، وملامسة المرأة نجس تأنفون منها قائلين: إذا جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا. واتخذتم من المرأة مورد غريزة تطلبونها أنى شئتم ولا تطلبكم، وتطلقونها أنى شئتم ولا تطلقكم، وتهجرونها ولا تهجركم، وتضربونها ولا تضربكم، وتشركون بها مثنى وثلاث ورباع وما ملكت إيمانكم ولا تشرك بكم أحد..) (1، 2، 6، 8-118، 120، 121) .
ينفى (الفرقان الحق) بعض الصفات، ويعدها نقصا في حق الرب، مثل صفة المكر، انظر (سورة الماكرين 1-188) . ويعد الصلاة في المساجد والأماكن العامة من الرياء: (إن الذين يقيمون الصلاة في زوايا الشوارع، والمساجد رياءً كي يشهدهم الناس، ذلك هم المنافقون، وهم في الحقيقة لا يصلون) (سورة الصلاة 3-203-204) .
وينكر النسخ في القرآن، وتناول ذلك في سورة سماها (سورة النسخ 214-218) .
ويعد القصاص من أحكام الجاهلية (أفحكم الجاهلية تبتغون، بأن النفس بالنفس، والعين بالعين، والسن بالسن، إن هو إلا سنة الأولين، وقد خلت شرعة الغابرين) (سورة الحكم 10-244) .
ويرى أن لا زواج ولا طعام ولا شراب في الجنة، وإنما كالملائكة يسبحون بحمد الله هذه هي جنة المؤمنين، أما الشياطين (ويعني بهم المسلمين) (فهم في كهوف تعج بالقتلة والكفرة والزناة يتمرغون في حمأة الفجور، تلفحهم زفرات الغرائز، وتسوطهم شهوة البهائم، فهم في الرجس والموبقات غارقون وفي شغل فاكهون، متكئون على سرر مصفوفة، والمسافحات مسجورات في المواخر يطوف عليهم ولدان اللواط بأكواب الرجس والخمر الحرام، يلغُون فيها، فلا هم يطفئون أوارهم ولا هم يرتوون) (سورة الجنة 3، 4-262-263) .
يصف الفرقان المزعوم شرعة المسلمين فيقول: (فشرعة أهل الكفر شرعة قومٍ حفاة، عراة، غزاة، زناة، أميين مفترين ومعتدين ضالين ظالمين) (سورة الجنة 14-266) .
الخلاصة:
كتاب (الفرقان الحق) زيف وكذب وافتراء وتشويه وطمس للحقائق، لتشويه القرآن الكريم ورسالته السامية النبيلة.
هذه المحاولة للدس والافتراء على كتاب الله الكريم ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولكنها محاولات فاشلة. وسيبقى كتاب الله تعالى محفوظاً في الصدور وفي السطور، ولن تؤثر فيه محاولات التحريف والتزييف قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
* الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف