تواصلت في اليومين الماضيين الصدامات الدموية بين المواطنين الغاضبين وقوات
الاحتلال الاسرائيلي في اكثر من مكان بالضفة الغربية، ومدينة الخليل على
وجه الخصوص، نتيجة لقرار الحكومة الاسرائيلية ضم الحرم الابراهيمي الشريف
ومحيط مسجد بلال بن رباح للمواقع الاثرية الاسرائيلية.
الاسرائيليون سرقوا الارض والمياه، والهواء والبحر والبسمة من شفاه ملايين
الاطفال، وهودوا القدس المحتلة، وقوضوا اساسات المسجد الاقصى بحفرياتهم،
والآن يسرقون التراث الفلسطيني وينسبونه اليهم.
انها عملية 'تطهير ثقافي' و'ابادة تراثية'، وتشويه هوية وانتماء اماكن
اسلامية مقدسة لاكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم، تتم كلها تحت
سمع العالم وبصره، وكأن هذه السرقة مباحة طالما ان الذين يرتكبون جرمها
يحملون الجنسية الاسرائيلية.
بنيامين نتنياهو يصادق على عملية التطهير الثقافي والتراثي الاسلامي هذه
بعد ايام معدودة من مصادقته على عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح، احد
مؤسسي كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية
'حماس'.
الحرم الابراهيمي كان وسيظل مسجدا اسلاميا فلسطينيا، ليس لليهود اي علاقة
به، سرقته اسرائيل بالتقسيط، وعبر وسائل ارهابية صرفة، ففي البداية اقدم
احد المستوطنين يدعى باروخ غولدشتاين على اقتحام المسجد فجرا، واطلاق النار
على المصلين الساجدين بغتة ليقتل ويصيب العشرات منهم، وليموت ضربا باحذية
الناجين لاحقا، واستغلت الحكومة الاسرائيلية هذه الجريمة لتقسيم الحرم
الابراهيمي بين اليهود والمسلمين بحجة الفصل بينهما، والحيلولة دون تكرار
المجزرة السابقة.
الخطوة الثالثة تتمثل في تهويد هذا المسجد الاسلامي الذي يحمل اسم سيدنا
ابراهيم ابو الانبياء بالكامل، مما يعني اسقاط هويته الاسلامية والعربية،
وحرمان المصلين من دخوله في المستقبل القريب.
الحكومة الاسرائيلية تريد تحويل الصراع من صراع عربي اسرائيلي، الى صراع
اسلامي يهودي، لانها حكومة عنصرية، لا تفكر الا بطريقة عنصرية خالصة، وهذا
ليس غريباً عليها، وهي تصر على حتمية اعتراف العرب والفلسطينيين منهم خاصة
باسرائيل دولة دينية يهودية.
ومثل هذه الخطوات الاستفزازية تؤكد مجدداً على النوايا الاسرائيلية
الحقيقية تجاه السلام وفهمهم له، فالسلام بالنسبة للمجموعة الحاكمة هو
التعاطي مع الفلسطينيين كأغراب، ليس لهم اي حقوق في الارض التي يقيمون
عليها، باعتبارها ارضاً يهودية صرفة.
تهويد الحرم الابراهيمي هو مجرد 'بروفة' لتهويد المسجد الاقصى وباحته، تحت
ذريعة وجود هيكل سليمان تحته، وطالما ان عملية التهويد الاولى مرت بسلام
ولم تثر اي ردود فعل في العالمين العربي والاسلامي، فان الثانية باتت وشيكة
للغاية.
الشبان الفلسطينيون هم الوحيدون الذين يتحركون للدفاع عن المقدسات
الاسلامية، ويتصدون بالحجارة وباجسادهم الطاهرة للدبابات والمدرعات
الاسرائيلية ورصاص مدافعها. اما العالم الاسلامي فيلوذ بالصمت، تماماً
مثلما صمت على جرائم الحرب والحصار في قطاع غزة.
لعل اعمال التطهير العرقي والتراثي الاسرائيلية هذه تفجر انتفاضة جديدة
تزيل الكثير من العفن، وتصحح اخطاء مفاوضات السلام العبثية وكل افرازاتها،
بما في ذلك السلطة الوهمية، وقوات الامن المدربة لقمع الشعب ومقاومته،
واعادة الامور الى وضعها الطبيعي، اي سلطة احتلال اسرائيلي وشعب مقاوم.[right]