السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 20ibghhh2f
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 20ibghhh2f
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مرحبا يازائر ندعوك للمشاركة معنا... عدد مساهمات منتدانا .. 8833
 
التسجيلالرئيسيةأحدث الصوردخول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...أهلا وسهلا بك في منتديات رسالـــة يسعدنا وجودك معنا ويشرفنا انضمامك لنا يرجى التكريم بتسجيلك لتتمكن بالمشاركة معنا لو وجدت مشكلة في التسجيل : فسجل من هنـــــــــا
انتظرونا قريبا جدا فى اضخم التجديدات الدورية لمنتديات رسالة فقط قريبا جدا باذن الله

 

 السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
gmymtm
مشــــرف
مشــــرف
gmymtm


السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Pi-ca-16
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Egypt10
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Collec10

السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Empty
مُساهمةموضوع: السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل   السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Emptyالجمعة 1 يناير 2010 - 16:42

[color=darkblue]
[size=24]نبدأ اليوم مع حضراتكم بإذن الله تعالى سلسلة منهجية جديدة بعنوان[/font">
(( اجتنبوا السبع الموبقات ))


وهي شرح لحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث لأب هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال : (( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟ .

قال (( الشرك بالله ، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ مال اليتيم ، وأكلُ الربا ، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات )) (1).

اجتنبوا السبع الموبقات : أي المهلكات وسميت بذلك لأنها سبب لإهلاك مرتكبها والعياذ بالله.

وقال الحافظ ابن حجر : الموبقات أي الكبائر .

وبدأ النبي r بالحديث عن أكبر الكبائر وهو الشرك .

وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في العناصر التالية :

أولاً : خطورة الشرك .

ثانياً : رحلة الشرك .

ثالثاً : أقسام الشرك .

رابعاً : فضل التوحيد .

فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان .


أحبتي في الله :

إن الشرك هو أظلمُ ، وأقبحُ الجهل ، وأكبرُ الكبائر .

ولذلك لم تدعُ الرسل جميعاً إلى شيء قبل التوحيد ، ولم تنه الرسل جميعاً عن شيء قبل التنديد ، ولم يتوعد اللهُ على ذنب أكثر مما جاء في الشرك من الوعيد الشديد .

قال سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } [النساء/48] .

وقال سبحانه : { مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } [المائدة/72] .

بل وخاطب الله جل وعلا صفوة خلقه وهم الرسل قائلا : { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام/88]

بل وخاطب حبيبه وخليله وسيد الأنبياء وإمام اصفيائه وقائد الموحدين وقدوة المحققين محمداً r بقوله : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {66} بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ } [الزمر/65]

ومن ثم ورد في صحيح البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي r قال : (( من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار )) (1) .

قال ابن مسعود : ومن مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة .

وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله أن رجلاً أتى النبي r فقال يا رسول الله r : (( ثنتان موجبتان )) .

قال رجل : ما الموجبتان ؟

فقال : (( من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات يشركُ بالله شيئاً
دخل النار)) ([1]).


وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رِدْفَ رسول الله r ، ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل: (( كور البعير، ومُؤْخرِته: الخشبة التي في آخره يستند إليها الراكب))

قال : يا معاذ بن جبل .

قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك .

ثم سار ساعة فقال : (( يا معاذ بن جبل .

قلت لبيك الله وسعديك .

ثم سار ساعة فقال : يا معاذ بن جبل .

قال : (( هل تدري ما حق الله على العباد )) ؟

قلت : الله ورسوله أعلم .

قال : (( فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً )) .

ثم سار ساعة ثم قال : يا معاذ بن جبل .

قلت لبيك يا رسول الله وسعديك .

قال : (( هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك )) .

قلت : الله ورسوله أعلم .

قال : (( حق العباد على الله أن لا يعذبهم )) ([2])

وعن أبي ذر رضي الله عنه كما في الصحيحين أن النبي r قال : (( أتاني جبريل فبشرني : أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة )) فقلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال: (( وإن زنى وإن سرق ))(
[3]).

وفي الصحيحين عن سعيد بن المسيب عن أبيه رضي الله عنهما قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاء رسول الله r وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية .

فقال النبي: ((أي عَمَّ ، قل لا إله إلا الله كلمة أحاجُّ لك بها عند الله)) ، فقال أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغبُ عن ملة عبد المطلب ؟

فلم يزل رسول الله r بعرضها عليه ، ويعودان لتلك المقالة ، حتى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: بل على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله فقال النبي r لاستغفرن لك ما لم أنه عنك ، فنزل قول الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة/113] .

وأنزل الله عز وجل في أبي طالب فقال لرسول الله r :

{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [القصص/56] ([4]).

والآيات والأحاديث في خطورة الشرك كثيرة جداً ولا يتسع الوقت للوقوف عليها

ثانيا : رحلة الشرك:

فالسؤال الذي يقفز إلى الأذهان الآن ونحن نتحدث عن الشرك هو كيف وصل الشرك إلى الأرض ؟

وكيف دّنس الفطرة التي فطر الله الناس عليها .

والمشهور عند العلماء أن بداية ظهور الشرك كانت في قوم نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام .

فلقد كان بنو آدم على ملة أبيهم آدم عليه السلام على شريعة من الحق والهدى كما روى شيخ المفسرين ابن جرير الطبري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان لبن آدم ونوح عشرة قرون كلها على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث النبيين مبشرين ومنذرين.

نعم .. كان الناس على شريعة من الحق والهدى حتى زين الشيطان – عليه لعنة الله – لقوم نوح عبادة الأصنام التي نصبوها بأيديهم لرجال صالحين من قوم نوح من أجل أن لا تُنسى سيرتُهم ويظلوا يذكرونهم دائماً .

فلما انقضت الأعمار وهلك هؤلاء ونسى العلم عُبدت هذه الأصنام من دون الله عز وجل كما روى البخاري ذلك في كتاب التفسير في سورة نوح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :

((صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ، أما وَدُّ فكانت لكلْب بدومة الجندل ، وأما سُواعٌ فكانت لهذيل ، وأمَّا يغوثُ فكانت لمراد ، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ، وأما يعوق فكانت لهْمدانَ ، وأمّا نسْرٌ فكانت لحمير ، لآل ذي الكلاع ، أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسمُّوها بأسمائهم ففعلوا ، فلم تُعْبَدْ ، حتى إذا هلك أولئك وَتَنَسَّخ العلم عُبِدت ))(1) .

ومعنى تنسخ العلم : أي علم تلك الصورة بخصوصها .





وقال الحافظ في الفتح :

أخرج الفاكهي من طريق عبيد بن عمير قال: أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبر الآباء ، فمات رجل منهم فجزع عليه ، فجعل لا يصبر عنه، فاتخذ مثالا على صورته فكلما اشتاق إليه نظره ، ثم مات ففُعِل به كما فعل حتى تتابعوا على ذلك فلما مات الآباء فقال الأبناء : ما اتخذ آباؤنا هذه إلا أنها كانت آلهتهم فعبدوها . أ . هـ (
[5]).

فلما أراد الله أن يرحمهم وأن يخرجهم من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد أرسل الله إليهم نوحاً عليه السلام فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل في الليل والنهار في السر والعلانية .

ولكنهم عاندوا وأصدروا واستكبروا استكباراً عنيداً :

{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:23] .

فلما يئس منهم نبي الله نوح دعا عليهم بقوله :

{وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح:26]

فاستجاب الله نبيه فأهلكهم بالطوفان قال تعالى :

حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ{40} وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{41} وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ{42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ{43} وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود : 40-44]

ثم جاء من بعد قوم نوح قومُ عاد فعبدوا آلهة أخرى مع اله جل وعلا منها هدا وصدى وصموداً فأرسل الله إليهم هوداً عليه السلام فدعاهم إلى التوحيد وقال : (( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )) فاستكبروا وكذبوا فأهلكهم الله بالريح .

ثم جاء من بعدهم قوُم ثمود فأرسل الله إليهم صالحاً فدعاهم إلى التوحيد فكذبوه وحاربوه وعاندوه فأهلكهم الله بالصيحة .

ثم جاء من بعدهم قوم إبراهيم عليه السلام فعبدوا الأصنام والشمس والقمر والنجوم فأرسل الله إليهم خليله إبراهيم عليه السلام ولم يبعث من بعده نبياً إلا من ذريته فكل الأنبياء والرسل من ذرية إسحاق عليه السلام .

أما إسماعيل فلم يبعث الله من ذريته إلا نبينا محمداً r الذي فضله الله على جميع الأنبياء والمرسلين .

ثم انتقل الشرك إلى بني اسرائيل فعبد أولهم العجلَ الذي حرمَّهَ موسى وهارون عليهما السلام وعبد أخرهُم عزيزاً وجعلوه نداً لله تعالى عما يقول الكافرون علواً كبيراً .

ثم عبد النصاري المسيح بن مريم .

ثم انتقل الشرك إلى العرب وانتقل إلى أرض الجزيرة العربية على يد عمرو بن عامر الخزاعي قبحه الله .

كما أخبر بذلك نبينا r في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي r قال :

((رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجرُ قُصْبَه في النار وكان أولَ من سيَّب السوائب)) .

وفي لفظ أحمد (( وغير دين إبراهيم )) (1)

وقبْه بضم القاف وتسكين الصاد يعني أمعاءَه .

ثم بدأت الأصنام تكثرُ وتنتشرُ في أرض الجزيرة بل وحول الكعبة حتى ثبت في الحلية وسير أعلام النبلاء بسند صحيح عن أبي رجاء العطاردي قال : كنا نعبدُ الحجر في الجاهلية فإذا وجدنا حجراً أحستَ منه ألقينا الأول وأخذناه فإذا لم نجد حجراً جمعنا كومةً من تراب ثم جئنا بغنم فحلبناها عليه ثم طفنا به ))

فمَّن الله عليهم بل وعلى البشرية كلها فبعث فيهم إمام الموحدين وقدوة المحققين وسيد الأنبياء والمرسلين محمداً r وامتن عليهم بذلك فقال :

{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ
}
[آل عمران:164].


فقام النبي يدعوهم إلى توحيد الله عز وجل ينقذهم من هذا الجحيم الذي اشعلوه بأيديهم وعشقوا التلظي بناره فمنهم من عاند وأعرض وكفر وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ{5} وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ{6} مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ}
[ص:5-7].


وقامت هذه الفشة الكافرة لتصب الفتن والإيذاء والعذاب صباً على رؤوس أصحابه وتضع الحواجز والسدود في طريق الدعوة !! .

ولكن هذا كله لم يَزدْ المؤمنين الذين ذاقوا حلاوة الإيمان إلا صبراً وصلابة وإيماناً حتى جاء نصر الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً .

وظلت الأمة ترفل في ثوب التوحيد الذي كساها إياه إمام الموحدين وقدوة الناس أجمعين r حتى أطلّت الفتن برأسها الظلوم ووجهها الكالح الغشوم وابتعدت الأمة رويداً رويداً عن حقيقة التوحيد !!

وبدأ الشرك يُطل برأسه من جديد وكثرت صورة ومظاهره ووقع فيه كثير ممن يتسمَّون بالمسلمين إلا من رحم الله جل وعلا !!!

فلم يعد الشرك متمثلاً في هذه الصورة الساذجة التي كان يزاولها المشركون قديماً في صورة حجر يصنعوه بأيديهم ثم يصرفون له العبادة من دون الله عز وجل بل لقد تعددت صورُ الشرك وكثرت الآلهةُ التي تُعبد في الأرض من دون الله عز وجل في مجال الاعتقاد وفي مجال النسك وفي مجال التشريع !!

ولا يتسع الوقت للتفصيل ولكن يكفي أن نعلم أنه إلى يومنا هذا يوجد في الهند أكثر من مئتي مليون بقرة تُعبد من دون الله عز وجل !!

وتُقام المعابدُ الفخمة الضخمة التي تقرب إليها القرابينُ والنذور !!

ولكن هل يا ترى أتعلمون ما هي الآلهة التي تعبد في هذه المعابد الضخمة ؟!! إنها الفئران !! نعم .. إنها الفئران !!!

وهذا كله يُلقي علينا نحن الموحدين مسؤلية كبيرة أمام الله عز وجل .

فما الذي قدمناه ؟!! وما الذي بذلناه ؟!!

علماً بأن إصدار الأحكام على الناس فقط دون التحرك وبسرعة لدعوتهم إلى التوحيد الخالص لن يغير من واقع الأمر شيئاً .

ثالثا : أقسام الشرك

أحبتي في الله : الشرك نوعان أكبر وأصغر .

فالشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه .

وهو أن يتخذ من دون الله نداً يحبه كما يحبُ الله ويخافهُ كما يخافُ الله عز وجل وهذا هو شرك التسوية كما قال الله حكاية عن المشركين لآلهتهم في النار: {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{97} إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{98} [ الشعراء : 97-98].

نعم فلقد كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة !!

كما أنهم اتخذوهم أرباباً يشرعون لهم من دون الله عز وجل فعظموا تشريعهم وأراءهم أعظم من شرائع الله رب العالمين !!.

ولذلك لما سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله r قائلاً يا رسول الله : من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟!

قال: (( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أوّل منك ، لما رأيت من حِرصِك على الحديث ، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله من قلبه))(1).

والشاهد هو كيف أن رسول الله قد جعل أعظم الأسباب التي تُنال بها شفاعته هي تجريدُ وإخلاصُ التوحيد لله العزيز الحميد .

فلا شفاعة على الاطلاق لهذه الآلهة المكذوبة المدعاة التي يعبدها عبادها ظناً منهم أنها ستشفع لهم عند الله عز وجل :

{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]

وقال عز وجل : {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]

وأنه تعالى لا يرضى من القول والعمل إلا التوحيد .

وصدق الله إذ يقول: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} [الإسراء:56]

القسم الثاني : الشرك الأصغر :

وقد عَرَّفَهُ النبي r في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والطبراني في الكبير وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عمران ابن الحصين أن النبي r قال: (( إن أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغر ))

قالوا : وما الشركُ الأصغر يا رسول الله .

قال: ((الرياء يقول يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً ))(1)

والرياء لغة : مشتق من الرؤية .

وشرعاً : هو أن يقوم العبد بالأعمال لا يريد بها وجه الله عز وجل فحدَُ الرياء هو إرادةُ العباد بطاعة الله عز وجل .

والرياءُ محيط للأعمال لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً.

والخالص : هو ما ابتغي به وجه الله .

والصواب : هو ما كان موافقاً لهدى رسول الله r .

يقول الله تعالى : {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } [الكهف:110]

وفي الحديث الذي رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال رسول الله: (( إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه ، رجل استُشهد فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت ، قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريءٌ ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلم وقرأ القرآن فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال تعلمت العلم وعلمتهُ وقرأت القرآن ، قال كذبت ، بل تعلمت يقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قاريء فقد قيل ثم أمر فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار ، ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال ما تركت سبيل ، تحب أن ينفق فيها إلا وأنفقت فيها لك قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال هو جوادٌ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار )) (1)

وأخيراً أرى من الحكمة أن نريح القلوب الموحدة بعد أن أتعباناها بهذا الحديث الطويل عن الشرك .. وأن نزف إليها بعض البشريات النبوية الكريمة في فضل تحقيق التوحيد وإخلاص العبودية والعبادة لله العزيز الحميد .

ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله r : (( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه ، والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كانا من العمل )) .

وفي رواية (( أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء )) ([6])

وفي رواية عتبان بن مالك: ((فإن الله حرَّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) .

وفي الحديث الذي رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه عل شرط مسلم ووافقه الذهبي وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي قال: ((إن الله سيخلصُ رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشرُ عليه تسعةٌ وتسعين سجلاً كل سجلَّ مثلُ مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يارب ، فيقولُ أفلك عذر ، فيقول : لا يارب فيقول : بلى، إن لك عندنا حسنةٌ وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فيقول : أحضُر وزنك ، فيقول : يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال : فإنك لا تُظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء )) ([7])

ومعلوم أن السر الذي ثقل البطاقة وطاشت من أجله السجلات هو التوحيد الخالص الذي لو وضعت ذرة منه على جبال من الذنوب والخطايا لأذابتها بحول الله جل وعلا فإن التوحيد نوراً يبدد ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة هذا النور .

ونختم بهذا الحديث الصحيح الذي رواه مسلم والترمذي وهذا لفظ الترمذي من حديث أنس أن النبي قال .

قال تعالى : (( يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني : غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني ، غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة))(1)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي r - فيما حكي عن ربه تبارك وتعالى – قال: ((أذنب عبدٌ ذنباً ، فقال : اللهم اغفر لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، ثم عاد فأذنب ، فقال: أي رب ، اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب ، فقال : أي رب ، اغفر لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، اعمل ما شئت فقد غفرت لك)) (2) .

والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
........ الدعاء
[/colo
r][/font]
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Glory Maker
مشــــرف
مشــــرف
Glory Maker


السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Pi-ca-18
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 610
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Collec10

السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Empty
مُساهمةموضوع: رد: السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل   السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Emptyالسبت 2 يناير 2010 - 14:43

مشكور
مـشكـور
مــشكــور
مـــشكـــور
مــــشكــــور
مـــــشكـــــور
مــــــشكــــــور
مـــــــشكـــــــور
مــــــــشكــــــــور
مـــــــــشكـــــــــور
مــــــــــشكــــــــــور
مـــــــــــشكـــــــــــور
مــــــــــــشكــــــــــــور
مـــــــــــــشكـــــــــــــور
مــــــــــــــشكــــــــــــــور
مـــــــــــــــشكـــــــــــــــور
مــــــــــــــــشكــــــــــــــــور
مـــــــــــــــــشكـــــــــــــــــور
مـــــــــــــــــشكـــــــــــــــــور
مـــــــــــــــــشكـــــــــــــــــور
مـــــــــــــــــشكـــــــــــــــــور
مــــــــــــــــشكــــــــــــــــور
مـــــــــــــــشكـــــــــــــــور
مــــــــــــــشكــــــــــــــور
مـــــــــــــشكـــــــــــــور
مــــــــــــشكــــــــــــور
مـــــــــــشكـــــــــــور
مــــــــــشكــــــــــور
مـــــــــشكـــــــــور
مــــــــشكــــــــور
مـــــــشكـــــــور
مــــــشكــــــور
مـــــشكـــــور
مــــشكــــور
مـــشكـــور
مــشكــور
مـشكـور
مشكور
مشكور
مـشكـور
مــشكــور
مـــشكـــور
مــــشكــــور
مـــــشكـــــور
مــــــشكــــــور
مـــــــشكـــــــور
مــــــــشكــــــــور
مـــــــــشكـــــــــور
مــــــــــشكــــــــــور
مـــــــــــشكـــــــــــور
مــــــــــــشكــــــــــــور
مـــــــــــــشكـــــــــــــور
مــــــــــــــشكــــــــــــــور
مـــــــــــــــشكـــــــــــــــور
مــــــــــــــــشكــــــــــــــــور
مـــــــــــــــــشكـــــــــــــــــور
مـــــــــــــــــشكـــــــــــــــــور
مـــــــــــــــــشكـــــــــــــــــور
مـــــــــــــــــشكـــــــــــــــــور
مــــــــــــــــشكــــــــــــــــور
مـــــــــــــــشكـــــــــــــــور
مــــــــــــــشكــــــــــــــور
مـــــــــــــشكـــــــــــــور
مــــــــــــشكــــــــــــور
مـــــــــــشكـــــــــــور
مــــــــــشكــــــــــور
مـــــــــشكـــــــــور
مــــــــشكــــــــور
مـــــــشكـــــــور
مــــــشكــــــور
مـــــشكـــــور
مــــشكــــور
مـــشكـــور
مــشكــور
مـشكـور
مشكور













_________________________







ياقارئ خطى لاتبكى على موتى فاليوم أنا معك وغداً في التراب فإن عشت فإني معك وإن مت فللذكرى ويا ماراً على قبري لاتعجب من أمري .. بالأمس كنت معك وغداً أنت معي .. أمـــوت و يـبـقـى كـل مـا كـتـبـتـــه ذكــرى فيـا ليت كـل من قـرأ خطـي دعا لي


السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Dpcsc0
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/#/profile.php?ref=profile&am
AboFatHy
مـجلــــــس الادارة
مـجلــــــس الادارة
AboFatHy


السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Pi-ca-18
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Egypt10
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Collec10

السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Empty
مُساهمةموضوع: رد: السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل   السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Emptyالسبت 2 يناير 2010 - 14:54

شكرا لك وبارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
خادم الإسلام
المشـــرف العـــام
المشـــرف العـــام
خادم الإسلام


السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Pi-ca-22
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 125
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 012

السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Empty
مُساهمةموضوع: رد: السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل   السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Emptyالأحد 1 أغسطس 2010 - 16:38

هذا هو لقاءنا الثاني مع السبع الموبقات التي حذر منها النبي r في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال:

(( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟

قال (( الشرك بالله ، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ مال اليتيم ، وأكلُ الربا ، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات ))(1) .

ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة الثانية ألا وهي : (( السحر ))

(( السحر ))

والسحرُ عالم عجيب تختلط فيه الحقيقة بالخرافة .. والعلم بالشعوذة .. كما تختلط فيه الدوافعُ والبواعث .. والغاياتُ والأهداف !!

وهو عالمُ ظاهرهُ جميلُ خلاب يفتن القلوب البسطاء ويخدعُ السذج والرعاع !!

وباطنه قذرَّ عفن يتجافى عنه أولوا الألباب وينأى عنه أصحابُ القلوب المستنيرة والفطر السليمة !!

وتاريخ السحر تاريخٌ أسود قاتم !!

فهو خدعة شيطانية يضلُّ بها شياطين الإنس والجن عبادَ الله فيوقعونهم بالسحر في أعظم جريمة الكفرِ والشرك والضلال .. !! (2)

أحبتي في الله :

لقد أصبح التوجه إلى السحر والسحرة في هذا العصر المتطور منذراً بالخطر . !!

فلقد أذاقت الحياةُ الماديةُ الجافة البشرية البلاء العظيم فلقد قست القلوب !! وجفّت ينابيعُ الخير في أرواح أكثر الناس !!

فكثرت العقد والمشكلات النفسية التي أصبحت سمة العصر .

وأخذ كثيرٌ من الذين فقدوا راحة القلب وطمأنينة النفس يلجأون إلى السحرة والمشعوذين!!

يبحثون عندهم عن حل لمشكلات استعصت على علماء النفس وأساتذة علم الاجتماع فكانوا بذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار !!(1)

ونظراً لخطورة هذا الموضوع فسوف أفرد له لقاءين كاملين بإذن الله جل وعلا وسينتظم حديثي في العناصر التالية :

أولاً : تعريف السحر في اللغة والاصطلاح .

ثانياً : حقيقةُ السحر وأنواعه .

ثالثاً : هل سحر النبيُ r .

رابعاً : حُكم السحر وحدُّ الساحر .

خامساً : الوقاية من السحر .

فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذا اللقاء من الأهمية لمكان .

أولاً : تعريف السحر في اللغة والاصطلاح

يُطلق السحرُ في لغة العرب على كل شيء خفي سببه .

وقال أبو عبيد : أصلُ السحر صرفُ الشيء عن حقيقته إلى غيره ، وقال عز وجل: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون:89] .

أي فأنى تصرفون ، وهذا الصرف قد يكون للعين وهو الأخَذة التي تأخذ العين فلا ترى الأشياء على حقيقتها وقد يكون للقلب من البغض إلى الحب أو من الحب إلى البغض.

وقد يكون هذا الصرف بالقول الحلال فهو البيان .

ومن صحيح البخاري وغيره في كتاب الطب من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي r قال (( إن البيان لسحرا )) ([1])

أما تعريف السحر في اصطلاح العلماء :

قال الفخرُ الرازي في تفسيره: اعلم أن لفظ السحر في عُرف الشرع مختص بكل أمرٍ يخفى سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع .

ووافقه الإمام الجصاص في هذا التعريف وغيره وهؤلاء هم الذين يرون بأن السحر لا حقيقة له إنما هو تخييل وسوف نوضح هذا إن شاء الله عز وجل .

وعرف السحر الإمام ابن قدامة في كتاب المغني مع الشرح الكبير في المجلد العاشر فقال : السحر هو عُقدّ ورُقي وكلامّ ستكلم به ( أي الساحر) ويكتبه أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له وله ( أي الساحر ) حقيقة فمنه ما يقتل وما يُمرض وما يأخذُ الرجل عن إمرأته فيمنعُهُ وطأها ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغضُ أحدُهما إلى الآخر أو يُحبب بين اثنين . أ . هـ .

وهنا يجب أن نفرق بين السحر والكرامة والمعجزة فالسحر اتفاق بين الساحر والشيطان على أن يقوم الساحر بفعل الكفر والشرك وكل ما هو محرم في مقابل أن يساعده الشيطان وأن يعينه في كل ما يطلبه منه الساحر .

وكلما ازداد الساحر كفراً بالله وعبادة الشيطان كلما ازداد الشيطان له طاعة .

أما الكرامة فلا تكون إلا للولي .

وأما المعجزة فلا تكون إلا للنبي .

وجماعهما الأمر الخارق للعادة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في المجلد الحادي عشر .

ثانياً : حقيقة السحر وأنواعه

بعد أن تعرفنا على معنى السحر لغة واصطلاحاً نقف الآن على حقيقة السحر .

يقول الإمام القرطبي (1): (( ومذهب أهل السنة والجماعة أن السحر ثابت وله حقيقة وقد اتفق على هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الإجماع ولا عبرة مع اتفاقهم للمخالفين )) .

وقال الإمام النووي : (( قال بعض أصحابنا أي من الشافعية : بأن السحر لا حقيقة له وإنما هو تخييل والصحيح أن السحر له حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة ))(2)

واستدل القائلون بأن السحر تخييل لا حقيقة له بقول الله عز وجل: { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } [طه:66]

ويقول جل وعلا: {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116]

واستدلوا بأن السحرة لا يقدرون أبداً على قلب حقائق الأعيان كتحويل الحصى إلى ذهب أو كتحويل الورق إلى أموال وغير ذلك ولو كانوا يملكون ذلك لكانوا أغنى الناس وما تحايلوا على أكل أموال الناس بالباطل .

استدلوا أيضاً بأن السحرة لو قدروا على فعل ذلك لاختلط الحقُ بالباطل والسحرُ بالمعجزة.

واستدل الجمهور من أهل العلم على أن السحر حقيقة لا تخييل بأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة

كقول الله عز وجل في سورة البقرة : {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [البقرة:102]

فقد أخبر الحق تبارك وتعالى في هذا النص القرآني الكريم أن الشياطين يعلمون الناس السحر وأن الناس يتعلمون منهم .

وإذا لم يكن للسحر حقيقة فماذا يُعَلمون وماذا يتعلم الناس ؟!!

وأن النص القرآني قد صرح بأن الساحر يفرق بسحره بين المرء وزوجه ، واستدلوا بقول الله عز وجل : {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } [الفلق:4]

والنفاثات في العقد هن الساحراتُ اللواتي يعقدن السحر وينفثن عليه .

قال الجمهور : ولولا أن السحر حقيقة ما أمر الله بالاستعاذة منه واستدلوا على حقيقة السحر بوجوده في الواقع .

يقول ابن القيم : والسحر يؤثر مرضاً وثقلاً وعقلاً وحباً وبغضاً ونزيفاً موجود تعرفه عامة الناس ومن أقوى أدلتهم سحرُ النبيr وسوف أتحدث عنه في العنصر الثالث حالاً بإذن الله

ولكن يجب أن نعلم أن تحقيق هذا الخلاف أن الذين قالوا بأن السحر كٌلَّه حقيقة قد جانبوا الصواب في المسألة .

وكذلك الذين قالوا إن السحر كله تخييل لا حقيقة له قد جانبوا الصواب أيضاً .

والتحقيق أن السحر أنواع منه ماله حقيقة ومنه ما هو تخييل لا حقيقة له .

فالسحر الحقيقي: هو الذي يعتمد فيه الساحر على الجن والشياطين وعبادة الكواكب والنجوم .

وكلما ازداد الساحر كفراً وزندقة ازداد الجن والشيطان له طاعة .

وسحر التخييل الذي لا حقيقة له في الواقع ، مبني على الأخذ بالعيون فترى الشيء على خلاف ما هو عليه ، في الحقيقة .

يقول الحافظ ابن كثير :

وإن سحر سحرة فرعون كان من هذا النوع وقد جاءت النصوص القرآنية صريحة بأنه كان تخييلاً وأخذاً بالعيون قال تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66] .

وفي قوله تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116] .

لأن إيقاع السحر في أعين الناس يدل على أن أعينهم تخيلت غير الحقيقة الواقعة .

ومن ثم نخلص إلى أن السحر منه ما هو حقيقي وما هو تخييل والله أعلم .

وهنا يثور هذا التساؤل الخطير : هل سُحر النبي r حقاً ؟

والحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وابن ماجة والنسائي والبيهقي وغيرهم من عدة طرق عن عدد من أصحاب النبي r وهذا لفظ حديث عائشة في صحيح البخاري في كتاب الطب قالت :

سحر رسول الله رجل من بني زُريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله يخيلُ إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله (1) حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: ((يا عائشة أشعرت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟)).

قلت وما ذاك يا رسول الله ؟ فقال: ((أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه ما وجعُ الرجل ، فقال مطبوب (أي مسحور) قال ومن طَّبه ؟ قال لبيد بن الأعصم اليهودي قال في أي شيء ؟ قال : في مُشط ومُشاطَة)) والمشاطة أي الشعر المتساقط من الرأس واللحية عند ترجيلهماً (( وجُفَّ طلعة ذكر )) ( أي على الغشاء الذي يكون على الطلع ) قال أين هو ؟

قال في بئر ذي أروان ومن الرواة من قال في بئر ذروان ، قال : وذروان : بئر في بني زريق – فذهب النبي r في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها ، وعليها نخل .

قال: ثم رجع إلى عائشة، فقال: (( والله لكأن ماءها نُقاعةُ الجفَّاء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين ، قلت : يا رسول الله أفأخرجته ؟

قال: ((لا ، أما أنا فقد عافاني الله وشفاني ، وخشيت أن أثُوَر على الناس منه شراً وأُمر بها فدفنت))(1)

وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : سحر النبي r رجلٌ من اليهود ، فاشتكى لذلك أياماً فأتاه جبريل فقال : إن رجلا من اليهود سحرك ، عقد لك عُقداً في بئر كذا وكذا ، فأرسل رسول الله r فاستخرجها فَحلَّها ، فقام رسول اله r كأنما أُنْشِطَ من عِقَلٍ ، فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط ))(2) .

وقد ردّ كثير ممن ينسبون إلى العلم هذا الحديث الصحيح وتبعهم في ذبك من يقدمون العقل على النقل ويردون النصوص التي لا تقبلها عقولهم .

ويرون عقولهم ميزاناً يعرفون به صحيح الحديث من سقيمه معرضين عن منهج المحدثين من سلف الأمة الذين أرسوا قواعد علم الحديث ومصطلحة .

ولو كانت العقول وحدها ميزاناً لمعرفة الصحيح المنقول من سقيمه لكان خبر دائراً بين القبول والرد .

نعم فهؤلاء يرونه موافقاً لعقولهم فيقبلونه وآخرون يرونه مخالفاً لعقولهم فيردونه .

ورضي الله عن عَليَّ إذ يقول : لو أخذ الدين بالعقل لكان المسح على باطن الخف أولى من المسح أعلاه !!

فالعقل له دوره وله وظيفته وله أيضاً حدوده ونور الوحي لا يطمسُ نور العقل أبداً بل يباركه ويقويه ويزكيه .

وليس ابداعُ العقل في الجانب المادي والعلمي دليلاً على صوابه ودقته في الجانب الديني الذي لابد من التقيد بنور الوحي .

نعم .. فهذا هو العقل الروسي الجبار يدافع عن الكفر والإلحاد وشعاره أنه يؤمن بثلاثة ويكفر بثلاثة ، يؤمن بماركس ولينين وستالين ، ويكفر بالله وبالدين وبالملكية الخاصة !!

وهذا هو العقل الأمريكي الجبار يدافع عن الشذوذ الجنسي وعن زواج الرجل للرجل وعن العنصرية اللونية البغيضة وما أحداث لوس أنجلوس عنا ببعيد !!!

وهذا هو العقل اليوناني يدافع عن الدعارة !!!

وهذا هو العقل الروماني يدافع عن مصارعة الثيران !!!

وهذا هو العقل الهندي يدافع عن عبادة البقر !!!

وهذا هو العقل العربي في جاهليته الأولى يدافع عن وأد البنات وهن أحياء !!

وهذا هو العقل العربي يدافع عن الكفر والإلحاد باسم البعثية والقومية فيقول قائلهم :

أمنت بالبعث رباً لا شريك له ..... وبالعروبة ديناً ماله ثان !!!

ويقول آخر :


هبوني عيداً يجعل العرب أمة
سلام على كفر يوحد بيننا



وسيروا بجثماني على دين برهم
وأهلا وسهلا بعدها بجهنم




هذا هو العقل البشري الذي فَجَّر الذَّرة في الجانب المادي يفجر الكفر والإلحاد والزندقة في الجانب الديني !!!

هذا هو العقل البشري الذي غاص في أعماق البحار يغوص في أعماق الكفر والشرك والأوحال !!!

فالعقل له حدوده وله دوره ولا ينبغي أن يتعدى هذه الحدود أو يتخطاها وأن يحكم على النصوص الصحيحة الصريحة بعقله القاصر وحكمه الضيق .

فالذين ردّوا حديث سحر النبي r ادَّعوا بأن الحديث باطل ومقدوح في سنده والحديث مخرج في أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل في صحيح البخاري ومسلم .

وإذا مجدت الحديث قد اتفق عليه الشيخان فإنه يكون في ذروة قمم الصحة ، وإذا وجدت الرجل يطعن في حديث رواه الشيخان فاعلم بأن بضاعته في علم الحديث مزجاه .. هذا إن أحْسَنّْا الظن به !!

أما دعواهم بأن الحديث يقدحُ في مقام النبوة ويتنافى مع العصمة التي منحها الله لنبيه في قوله {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]

وأن هذا الحديث يصدق المشركين الذين اتهموا الرسول بأنه مسحور كما قال عز وجل منهم : يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } [الإسراء:47]

والجواب على هذا أن الرسول r معصوم باتفاق في جانب التبليغ والتشريع : {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} } [النجم:4]

وأما بالنسبة إلى الأعراض البشرية كأنواع المرض والآلام والإصابة في المعارك فهذا لا يقدح في مقام النبوة ولا ينافي العصمة وجميع الأنبياء يعتريهم من ذلك ما يعتري البشر جميعاً: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ابراهيم:11]

وقال جل وعلا مخاطباً رسول الله r : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [الكهف:110]

والسحر علة من علل الدنيا ومن أمراضها كسائر الأمراض .

وهذه قدَّر الله أن تكون للنبي r كما تكون لغيره .

فقد أثَّرت فيه الحمَّى وأثر فيه السُّم وجرح وجهه في غزوة أحد ، وكٌسرت رُباعيته .

وسبقه من إخوانه من الرسل من قُتل ، ومن عذّب ، وأوذي .

وفي سنن الترمذي وقال حسن صحيح من حديث سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله أي الناس أشد بلاءً ؟ قال : (( الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صُلْباً اشتدَّ بلاؤهُ ، وإن كان في دينه رقَّةٌ ابتلاه على حسب دينه ، فما يبرح البلاءُ بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ))(1) .

وأما قولهم بأنه موافق لقول المشركين: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} [الفرقان:8].

فمن المعلوم لكل أحد أن المشركين أرادوا بذلك أن ما يتلوه محمدٌ من قرآن نزل عليه من عند الله إنما هو سحر يفرق بين الإبن وأبيه والأخ وأخيه والزوج وزوجه .

كما حكي منهم ذلك في سورة المدثر حكاية عن الوليد بن المغيرة : {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ{18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{20} ثُمَّ نَظَرَ{21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ{22} ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ{25} [المدثر : 18-25].

ويبقى لنا أن نتحدث عن حكم السحر وحدُ الساحر وعن طرق الوقاية وإبطاله وهذا موضوعنا في اللقاء القادم إن شاء الله جل وعلا .

وصلي الله وسلم على
محمد r .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
خادم الإسلام
المشـــرف العـــام
المشـــرف العـــام
خادم الإسلام


السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Pi-ca-22
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 125
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 012

السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Empty
مُساهمةموضوع: رد: السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل   السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Emptyالأحد 1 أغسطس 2010 - 16:43

عن البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: (( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟

قال ((الشرك بالله، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكلُ مال اليتيم، وأكلُ الربا، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات))(1).

ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة الأخيرة ألا وهي

قذف المحصنات الغافلات المؤمنات

وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في العناصر التالية.

أولاً : المعنى اللغوي.

ثانياً : شروط القذف وبما يثبت؟

ثالثاً : حكم القذف وعقوبته في الدنيا والآخرة.

رابعاً : نموذج من القذف البشع.

وأخيراً : صور مشرقة.

فأعيروني القلوب والأسماع، فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان .

أولاً : المعنى اللغوي.

جاء في لسان العرب لابن منظور :

القذف هو : الرمي والسَّب

ومعناه هنا : رمي المرأة بالزنا أو ما كان في معناه .

والمحصنات : جمع محصنة وهي المرأة المتزوجة .

والُمحْنَةُ ، والُحْصِنةُ كذلك : هي المرأة العفيفة البعيدة عن الريبة والشك .

والغافلات : من الغفلة ، وهي الترك والسهو .

والغافلات: هن البريئات الطوايا المطمئنات النفس لأنهن لم يفعلن شيئا يحذرونه، ويخفن منه.

ثانياً : شروط القذف وبما يثبت .

إن القذف لا يصبح جريمة تستحق الجلد إلا بشروط منها ما يجب توفره في القاذف ومنها ما يجب توفره في المقذوف ، ومنها ما يجب توفره في الشيء المقذوف به.



الشروط التي يجب توفرها في القاذف وهي :

*: العقل والبلوغ والاختيار .

وهذه الشروط هي أصل التكليف فإذا كان القاذف مجنوناً أو صغيراً أو مُكْرها فلا حد عليه . لقول النبي r في الحديث الذي رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والحاكم وغيرهم من حديث عليّ وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع أنه r قال : (( رُفِعَ القلمُ عن ثلاث ، عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ))

وفي لفظ ((عن المعتوه حتى يعقل)) ([1])

ولقوله r في الحديث الذي رواه الطبري عن ثوبان وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع أنه r قال : ((رُفِعَ)) ، وفي لفظ ((وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .)) ([2])

الشروط التي يجب توفرها في المقذوف وهي :

· العقل

· البلوغ (أيضاً) فلا يحد من قذف الصغير أو الصغيرة ، ولكن الإمام مالك رحمه الله يقول : إذا قذف بنتا قبل البلوغ ولكنها من الممكن أن يزنى بها والعياذ بها ، فإنه يستحق الحد لأنه قد يفسد عليها مستقبلها ويؤذي أهلها .

ولكن جمهور العلماء قالوا يَزر ، ولا حد عليه

· الإسلام : أي أن يكون المقذوف مسلماً

· العفة : أي يكون المقذوف عفيفاً بريئاً من فعل الفاحشة التي رمي بها .

· الحرية : أي أن يكون المقذوف حراً وإن كان قذف الحر للعبد محرماً .

لما رواه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص أنه r قال :

((من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قاتل )) ([3])

ولما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ، وهذا لفظ البخاري في كتاب الحدود أنه r قال :

(( من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جُلِدَ يوم القيامة إلا أن يكون كما قال )) ([4])

الشوط التي يجب توفرها في المقذوف به وهي :

التصريح بالزنا أو التعريض الظاهر الذي يفهم منه القذف ويستوي في ذلك القول والكتابة.

ويثبت حد القذف بأحد أمرين

* إما بإقرار القاذف نفسه .

* أو بشهادة الشهود عليه .

ثالثاً : حكم القذف وعقوبته في الدنيا والآخرة .

أحبتي في الله :

إن الإسلام منهج حياة متكامل لا يقوم أساسا على العقوبة ، إنما يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة ، وتحقيق الضمانات والوقاية .

ثم يعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ بهذه الأسباب الميسرة والضمانات الأمنية ليتمرغ في أحوال المعصية طائعاً مختاراً أو غير مضطر

ومن ثم يشدد الإسلام في عقوبة القذف جزافا هذا التشديد ويتوعد عليها بأشد الوعيد ، لأن ترك الألسنة تلقي التهم جزافا بدون بينة أو دليل بترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقذف بتلك التهمة النكراء ، ثم يمضي آمنا مطمئنا فتصبح الجماعة وتمسي ، وإذا أعراضها مجرحة وسمعتها ملوثة

وإذا كل فرد فيها متهم ومهدد بالاتهام !!

وإذا كل زوج فيها يشك في زوجه !!

وكل رجل فيها يشك في أصله !!

وكل بيت فيها مهدد بالانهيار !!

وهي حالة من الشك ، والقلق والريبة لا تطاق !! ([5])

ومن هنا ..... صيانة للأعراض وحماية للمجتمع ، شدد الإسلام في عقوبة القذف .

وأوجب عل القاذف إذا لم يقم البنية ثلاثة أحكام وهي :

الأول : أن يجلد ثمانين جلدة .

الثاني : أن ترد شهادته أبدا .

الثالث : أن يصبح فاسقاً ليس بعدل لا عند الله ولا عن الناس وهذا كلام متفق عليه بين العلماء ، ما لم يتب القاذف إلى الله جل وعلا .

وهذه الأحكام الثلاثة نصت عليها آية محكمة واحدة من سورة النور قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{4} إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور 5،4] .

أخرج أحمد وعبد الرزاق وأبو داود ، وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن مردوية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

لما نزلت هذه الآية قال سعد بن عبادة سيد الأنصار رضي الله عنه أهكذا أنزلت
يا رسول الله ؟!

فقال رسول الله r :

((يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقوله سيدكم ؟))

فقالوا : يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور ، والله ما تزوج امرأة قط إلا لكرا ، وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منَّا على أن يتزوجها من شدة غيرته .

فقال سعد بن عبادة رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني لأعلم أنها الحق، وأنها من الله ، ولكني تعجبت أني لو وجدت (لُكاعّا) – أي امرأة – قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى يأتي بأربعة شهداء فوالله لا آتي بهم إلا وقد قضى حاجته ))(1)

وفي رواية البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال :

(( لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فبلغ ذلك رسول الله r فقال: أتعجبون من غيرة سعد ؟ والله لأنا أغير منه والله أغير مني ، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ))(2)

وبالفعل لم يلبثوا إلا يسيرا ، وقد وقع ما ذكره سعد بن عبادة رضي الله عنه .

ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ، وأحمد من غيرهم من حديث ابن عباس رضي الله عنها قال :

فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشاءً فوجد عند امرأته رجلا يزني بها يقال له شريك بن سحماء فرأى هلال بن أمية بعينيه ، وسمع بإذنيه فلم يهيجه، حتى أصبح فغدا على رسول الله فقال : يا رسول الله ، إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني !!

فكره رسول الله ما جاء واشتد عليه واجتمعت عليه الأنصار ، وقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة .

وهكذا أيها الأحبة قذف هلال بن أمية زوجته عند النبي r بشريك بن سمحاء .

فقال النبي r : (( البينة أو حد ظهرك )).

فقال هلال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة ؟

فجعل النبي يقول : (( البينة ، أو حد ظهرك ))

فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبريء ظهري من الحدِّ! يقول ابن عباس : فوالله إن رسول الله يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله الوحي، وكان إذا نزل الوحي عرفوا ذلك فأمسكوا حتى فرغ من الوحي .

فنزل قول الله تعالى(*) :{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ{6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ{7} عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ{8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ{9} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } [النور: 6-10].

فَسُرِّيَ عن رسول الله وقال :

((أبشر يا هلال فلقد جعل الله لك فرجا ومخرجا)) فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي عز وجل فقال رسول الله : ((أرسلوا إليها )) فجاءت .

فتلا النبي r عليهما الآيات فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا .

فقال هلال : والله يا رسول الله لقد صدقت .

فقالت زوجته : كذب

فقال رسول الله : (( لاعنوا بينهما ))

فقيل لهلال : اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين .

فلما كانت الخامسة : قيل يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة عليك العذاب .

فقال هلال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها .

فشهد في الخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين .

ثم قيل للمرأة إشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين .

وقيل لها عند الخامسة : اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة عليك العذابك .

فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف .

ثم قالت : والله لا أفضح قومي .

فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين !! .

فَفَرَّق رسول الله r بينهما وقضى بأن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها .

ثم قال رسول الله: ((إن جاءت به (أي ولدها) أكحلُ العينين سابغ الألْيَتَيْن خَدَلَّج الساقين فهو لشريك بن سحماء))

فجاءت به كذلك .

فقال رسول الله : (( لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن )) ([6])

وثبت أيضاً في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي أن آيات اللعان نزلت في عُويمر العجلاني .

ويتبين لنا أيها الأحبة أن اللعان بمنزلة البينة للرجل الذي رأى مع امرأته رجلاً ولا يمكنه أن يأتي بالبينة .

ويترتب على اللعان الأحكام التالية :

أولاً : الفرقة بين الرجل وزوجته .

ثانياً : تحرم عليه تحريماً أبدياً .

ثالثاً : ينتفي عنه النسب فلا ينسب الولد إليه .

رابعاً : يسقط عنه حد القذف .

خامساً : وجب على المرأة الرجم .

فإذا لا عنت الزوجة أيضاً وشهدت أربع شهادات بالله أن زوجها لمن الكاذبين ثم قالت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان زوجها من الصادقين فيما رماها به .

فإنه لا يتعلق بلعانها إلا حكم واحد وهو سقوط الحد عنها .

هذا هو حكم القذف . وهذه هي عقوبة القاذف في الدنيا .

أما عقوبته في الآخرة فإنها والله لقاسية يقول الله عز وجل :

{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{23} يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{24} يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور : 23-25]

رابعاً : نموذج من القذف البشع

من هذه النماذج البشعة ما حدث للطاهرة العفيفة .. الحصان الرزان الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها !!

وتعالوا بنا أيها الأحباب نستمع إلى القصة كما ترويها أمنا أم المؤمنين عائشة تقول رضي الله عنها وأرضاها :

كان رسول الله r إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه .قالت : فأقرع بيننا في غزاة غزاها ، فخرج سهمي فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه .

فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار وفي رواية : جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه .

وأقبل الرهط الذي كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوا على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن ولم يغشهن اللحم وإنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا .

فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس فيه أحد فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت. وكان صفوان ابن المعطل السلمي ثم الذكواني عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني .

وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهه بجلبابي والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه .

وهوى حتى أناخ راحلته فوطيء عليها يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش قالت : فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول.

والحديث بطوله رواه البخاري ومسلم وغيرهما .

وفي بعض الروايات أن عبد الله بن أبي سلول لما رأى صفوان بن المعطل رضي الله عنه جاء مقبلاً يجر الراحلة بهودج أم المؤمنين رضي الله عنها .

قال رأس النفاق : من هذا ؟

قالوا : أم المؤمنين عائشة ،

فقال رأس النفاق : والله ما نجت منه ولا نجا منها !!

ثم قال – وبئس ما قال – امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها .

يا لها من قولة خبيثة .. يا لها من قولة شديدة آثمة وطير المنافق هذه القولة وتناولتها عصابات النفاق .. وسقط في الهاوية بعض المسلمين ولاكت ألسنتهم هذه الفرية المرعبة!!

وماجت المدينة المطهرة بهذا الخبر الأليم شهراً كاملا!!

الله أكبر ... رسول الله يرمى في طهارة فراشه وهو الطاهر الذي فاضت طهارته على العالمين !!

رسول الله يرمى في صيانة حرمته وهو القائم على صيانة الحرمات في أمته!!

ها هو رسول الله يرمى في كل شيء حين يرمى في عائشة !!

يرمى في فراشه !! يرمى في شرفه !! يرمى في قلبه !! يرمى في رسالته !!

ولحكمة يعلمها اللطيف الخبير العليم يدع الله هذا الأمر شهراً كاملاً لا تنزل فيه آية على رسول الله r !!

ورسول الله r يتألم آلاماً تنوء الجبال الراسيات بحملها .

وها هي عائشة الصديقة ترمى في أعز ما تعتز به أي امرأة !!

ترمى في شرفها وهي التي ترتبت في العش الطاهر الرفيع !!

ترمى في إيمانها وهي الزهرة التي تفتحت في حقل الإسلام وبستان الوحي !! وعلى
يد مَنْ؟!

على يد سيد البشر محمد r .

وها هو أبو بكر الصديق يحطمه الألم وهو يرمى في عرضه !!

وفي من ؟! في ابنته زوج رسول الله r صاحبه وحبيبه ونبيه ورسوله الذي آمن به وصدقه.

ولكنه الصابر المحتسب القوي على آلامه وجراحه .

فيقول بمرارة مريرة :

والله ما رمينا بهذا في الجاهلية أفنرمى به في الإسلام !!

وها هو الصحابي الجليل الطيب الطاهر المجاهد في سبيل الله صفوان بن المعطل يرمى بخيانة نبيه في زوجه !!

فيرمى بذلك في إسلامه وفي أمانته وفي شرفه !!

الله أكبر ... إنها خطورة الكلمة !!

ونعود إلى أمنا أم المؤمنين الصديقة الطاهرة الشريفة العفيفة عائشة رضي الله عنها عندما علمت أن الناس تلكموا غيها وفي عرضها

تقول : فقلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟! أي بالإفك .

قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي

فدعا رسول الله r علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استبلث الوحي([7]) يشيرهما في فراق أهله .

قالت : فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم

فقال أسامة : هم أهلك ([8])يا رسول الله ولا نعلمن والله إلا خيراً .

وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير([9])

قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أظن أن البكاء فالق كبدي .

قالت فبينما أبواي جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي .

فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله r فسلم ثم جلس .

قالت : ولم يجلس عندي من يوم قيل ما قيل ؟

وقد مكث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء .

قالت فتشهد رسول الله r حين جلس ثم قال :

((أما بعد يا عائشة إنه قد بلغني عنك كذا كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله – عز وجل – وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إن أذنب واعترف بذنبه وتاب إلى الله ، تاب الله عليه )) ([10])

فلما قضى رسول الله r مقالته قلص دمعي حتى ما أحس عنه قطرة فقلت لأبي أجب عني رسول الله r فيما قال !!

قال : والله يا ابنتي ما أدري ما أقول لرسول الله r .

فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله فيما قال .

قالت : والله يا ابنتي ما أدري ما أقول لرسول الله r .

قالت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن

فقلت : إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث الناس به حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به لئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترف لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال :

{وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف/18] .

ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببرائتي .

ولكن والله ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحياً يتلى ، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري .

ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله r في النوم رؤيا يبرئني الله بها قالت : فوالله
ما رام([11]) رسول الله r مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله على نبيه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء([12]) حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي أنزل عليه .

قالت فَسُرِّ عن رسول الله r وهو يضحك وكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي : يا عائشة احمدي الله .

ومن الرواة من قال : أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك

فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله r .

فقلت : لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل برءتي فأنزل الله عز وجل.{إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ{11} لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ{12} لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{13} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{14} إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ{15} وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{16} يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{17} وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{18} إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }([13])[ النور / 11- 19] .

في مقابل هذه الصورة القاتمة البشعة (صورة الإفك) نرى هذه الصورة المشرقة الوضيئة.

إنه الفتى الذي لم يجاوز العاشرة من عمره إلا قليلاً .

إنه عمير بن سعد الذي مات أبوه وتزوجت أمه برجل ثري يقال له : الجلاس بن سويد الذي أحب عميراً حباً شديداً .

وفي السنة التاسعة للهجرة أمر النبي r المسلمين أن يستعدوا ويتجهزوا لغزوة تبوك وتسابق المؤمنون الصادقون وتكاسل المنافقون وذهب الفتى المؤمن عمير بن سعد ليقص على الجلاس ما رأى وما سمع من المؤمنين الصادقين الذين راحوا يبذلون كل ما يملكون لرسول الله r .

وإذ بالجلاس ينطق بعبارة تخرجه من الإسلام دفعة واحدة وتدخله في الكفر من أوسع أبوابه فلقد قال الجلاس لعمير : إن كان محمد صادقاً فيما يدعيه فنحن شر من الحمير !!!

فالتفت الفتى المؤمن عمير بن سعد إلى الجلاس وقال :

والله ما كان على ظهر الأرض أحد بعد رسول الله r أحب إليّ منك فأنت آثر الناس عندي وأجلهم على ولقد قلت مقالة إن ذكرتها فضحتك وإن أخفيتها خُنْتُ أمانتي وأهلكت نفسي وديني وقد عزمت على أن أمضي إلى رسول الله r وأخبره بما قلت فكن على بينة من أمرك . ومشى عمير بن سعد وأخبر النبي r بما سمع من الجلاس بن سويد . فاستبقاه الرسول r عنده وأرسل أحد أصحابه ليدعو له الجلاس فجاء الجلاس وحيا النبي r وجلس بين يديه .

فقال له النبي r : ما مقالة سمعها منك عمير بن سعد ؟!

وذكر له النبي ما قال . فقال الجلاس : كذب على يا رسول الله وافترى !! فما تفوهت بشيء من ذلك وإني أحلف بالله أني ما قلت شيئا مما نقله لك عمير !! والتفت الرسول r إلى عمير فرأى وجهه وقد احتقن بالدم والدموع تنحدر مدراراً من عينيه فتتساقط على خديه وصدره ، وهو يقول : اللهم أنزل على نبيك بيان ما تكلمت به واستجاب الله دعوة هذا الفتى المؤمن فغشيت رسول الله السكينة فعرفوا أنه الوحي فلزموا أماكنهم وسكنت جوارحهم ولاذوا بالصمت ، وتعلقت أبصارهم بالنبي r يتلو قول الله عز وجل :

{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}[التوبة:74]

فارتعد الجلاس من هول ما سمع ، وظل يصرخ : بل أتوب يا رسول الله !! بل أتوب يا رسول الله !! صدق عمير يا رسول الله وكنت من الكاذبين !!

وهنا توجه النبي r إلى الفتى البار .... إلى الفتى الصادق عمير بن سعد ودموع الفرح تبلل وجهه المشرق بنور الإيمان ، فمد الرسول الكريم يده الشريفة إلى أذن عمير وأمسكها برفق وقال : وفت أذنك ما سمعت وصدقك ربك يا عمير (1)

أسأل الله جل وعلا أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.



الدعاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
خادم الإسلام
المشـــرف العـــام
المشـــرف العـــام
خادم الإسلام


السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Pi-ca-22
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 125
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 012

السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Empty
مُساهمةموضوع: رد: السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل   السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Emptyالأحد 1 أغسطس 2010 - 16:44


عن البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال:

(( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟

قال (( الشرك بالله ، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ مال اليتيم ، وأكلُ الربا ، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات ))(1) .

ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة السادسة ألا وهي التولي يوم الزحف والتولي كما قال ابن منظور في لسان العرب في مادة ولى . وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في العناصر التالية :

أولاً : المعنى اللغوي .

ثانياً : تشريع الجهاد في الإسلام والهدف منه .

ثالثاً : فضل الجهاد .

رابعاً : وجوب الثبات أثناء الزحف .

خامساً : التولي يوم الزحف كبيرة من الكبائر .

وأخيراً : لا عزاء إلا بالجهاد .

فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان .

أولاً : المعنى اللغوي لقوله r والتولي يوم الزحف .



قال ابن منظور في لسان العرب (1) في مادة ولى

ولى الشيء ، وتولى أي أدبر ، ودنى عنه أي أعرض عنه ، وقد تكون التولية إقبالا كما في قوله تعالى :

{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:144]

أي أقبل بوجهك نحوه .

وقد تكون التولية إعراضا وانصرافا ، وإدبارا كما في قوله تعالى :

{ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [التوبة:25]

فالتولي يوم الزحف هو الإعراض والإدبار والفرار أمام العدو في ساحة الجهاد .

جاء في لسان العرب لابن منظور في مادة ولى وزحف .

إن التولي : هو الإدبار والإعراض والانصراف .

والزحف هو الشيء رويدا أي ببطء فالجيش الزاحف هو الذي يرى كثرته كأنه يزحف ويمشي ببطء لأنه يتحرك ككتلة واحدة وكجسم واحد .

وعليه فالتولي يوم الزحف : هو الإعراض والانصراف والإدبار والفرار أمام العدو من أرض المعركة .

ثانياً : تشريع الجهاد في الإسلام والهدف منه .

لقد أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق ، وأمره أن يدعو الناس جميعا لهذا الدين وخاطبه بقوله جل وعلا :{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:1-4]

فقام النبي r في ذات الله أتم قيام وشمر عن ساعده ودعا إلى الله ليلا ونهارا وسراً وجهراً إلى أن نزل عليه قول الله عز وجل :

{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } [الحجر:94]

فصدع بأمر الله فدعا إلى الله الصغير والكبير ، والحر والعبد والذكر والأنثى والأحمر والأسود .

فأبرقت قريش وأرعدت وأرغت وأزيدت ودقت طبول الحرب وأوعدت .

فلما اشتد الإيذاء والبلاء أمر النبي أصحابه أن يهاجروا إلى أرض الحبشة مرتين .

وتضاعف الإيذاء والابتلاء ومع هذا لم يأذن الله لرسوله بأن يقابل السيئة بالسيئة ، أو أن يواجه الأذى بالأذى ، أو أن يحارب هؤلاء الذين يحاربون الله ورسوله ، ويفتنوا المؤمنين والمؤمنات بل أمره بالعفو والصفح كما قال تعالى : {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } [الطور:48]

{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [الزخرف:89]

{فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [الحجر:85]

{قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الجاثية:14]

{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } [المؤمنون:96]

وتتابع الأذى والاضطهاد حتى بلغ ذروته بتدبير مؤامرة حقيرة لاغتيال رسول الله r فاضطر النبي r إلى الهجرة من مكة إلى المدينة ، وأمر أصحابه بالهجرة إليها بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة المباركة .

فلما استقر رسول الله r بالمدينة وأيده بنصره بعبادة المؤمنين من الأنصار الأبرار والمهاجرين الأطهار ، وأَلََّفَ الله بين القلوب ، وبذلوا نفوسهم دونه ، وقدموا محبته على محبة الآباء ، والأبناء ، والأزواج والأموال .

وهنا رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة وشمروا لهم عن ساق العداوة ، والمحاربة ، وأحاطوا بهم من كل ناحية .

وهنا أذن الله لمؤمنين في القتال ، ولم يفرضه عليهم دفاعا عن النفس ، وتأمينا للدعوة فقال تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{40} الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } [الحج :39-41]

وفي السنة الثانية من الهجرة فرض الله القتال بقوله تعالى :

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة:216]

وقال تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{11} يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{12} وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ{13} } [الصف :10-13]

والله إنها لتجارة رابحة ، ولم لا ؟! وقد علق الله عليها مغفرة الذنوب ، والنصر في الدنيا والنجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة .

وبعد هذه التجارة الرابحة يأتي هذا العقد الجليل والوعد الكريم الذي أودعه الله جل وعلا أفضل كتبه المنزلة وهي التوراة والإنجيل ، والقرآن ويا له والله من عقد ما أعظم خطره ، وأجل قدره فالله جل وعلا هو المشتري والثمن جنات النعيم .

أما السلعة فهي الجهاد في سبيل الله ، بالأنفس والأموال .

فلما رأى التجار عظمة المشتري ، وقدر الثمن وجلالة قدر من جرى عقد
التبايع على يديه ، ومقدار الكتاب الذي أثبت فيه هذا العقد عرفوا أن للسلعة قدرا
وشأنا ، ليس لغيرها من السلع فرأوا أن من الخسران الكبير أن يبيعوها بثمن بخس
دراهم معدودة .

فعقدوا مع المشتري بيعة الرضا والرضوان .

فقال سبحانه : {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة:111]

فلما تم العقد وسلم الفائزون المفلحون السلعة الغالية أي أنفسهم وأموالهم قيل لهم : قد صارت أنفسكم وأموالكم لنا ، والآن قد رددناها عليكم أوفر وأكرم وأعظم ما كانت فقال سبحانه :

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }[آل عمران:169]

ثم بين إمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين شرف الجهاد وفضله فقال كما في الحديث الذي رواه البخاري وأحمد من حديث أبي هريرة أن النبي r قال : (( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة .(1)



وفي حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي r قال لأبي سعيد : (( من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولاً وجبت له الجنة فعجب لها أبو سعيد فقال : أعدها علي يا رسول الله ففعل ، ثم قال رسول الله : وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، قال : وما هي يا رسول الله ، قال : الجهاد في سبيل الله ))(1) (انظر زاد المعاد 78/3)

وفي الحديث الذي رواه البخاري وأحمد من حديث أبي عبس عبد الرحمن بن صير أن النبي قال : (( من أغَبَّرتْ قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النار ))(2)

وعن محمد بن المنكدر قال : مر سلمان الفارسي على شرحبيل بن السمط وهو في مرابط له ، وقد شق المقام عليه ، وعلى أكثر الصحابة فقال لهم سلمان : ألا أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله r ؟

قالوا : بلى .

قال سمعته يقول : (( رباط يوم وليلة في سبيل الله أفضل – أو قال : خير – من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عَمَلُهُ الذي كان يعملُهُ ، وأُجرِيَ عليه رزقُهُو وأَمِنَ الفتَّانَ ))(3)

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أـن النبي r قال : (( والذي نفسي بيده لا يُكْلَمُ أحد في سبيل الله – والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله – إلا جاء يوم القيامة اللَوْنُ لَوْنُ الدم والرَّيحُ ريح المسْك)) ([1])

وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أن النبي r قال : (( إن أرواح الشهداء في جوف طير خُضر ، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى ملك القناديل ، فاطَّلعَ إليهم ربُّهُمُ اطَّلاعةً فقال : هل تشتهون شيئاً ؟ فقالوا : أي شيء نشتهي ؟ ونحن نَسْرَحُ من الجنة حيث شئنا . ففعل ذلك ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يُتْرَكُوا من أن يُسأَلوُا قالوا : يارب ! أن تَرُدَّ أرواحنا في أجسادنا حتى نُقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا )) ([2])

ولذلك قال النبي لجابر بن عبد الله : (( ألا أخبرك ما قاله الله لأبيك )) قال بلى ، قال : (( ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وكلم أباك كفاحا )) فقال : يا عبدي تمن علي أعطك ، قال يارب تحييني فأقتل فيك ثانية ، فقال : إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون ، قال : يارب فأبغ من ورائي ، فأنزل الله تعالى : {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران:169]

ومن أجل هذا كله ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي r قال : (( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق )) ([3])

وأكتفي بهذا القدر من الأحاديث وإلا فهي كثيرة .

وأختم بهذه الأبيات المعبرة التي تبين شرف الجهاد وفضله .

والتي أرسل بها الإمام المجاهد العلم عبد الله بن المبارك لأخيه القانت الزاهد الورع عابد الحرمين الفضيل بن عياض يذكره فيها بشرف الجهاد في سبيل الله فيقول :

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
من كان يخضبُ خده بدموعه
أو كان يتعب خيله في باطل
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
ولقد أتانا من مقال نبينا
لا يستوي غبار خيل الله في
هذا كتاب الله ينطق بيننا



لعلمت أنك في العبادة تلعب
فنحورنا بدمائنا تتخضب
فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
وهج السنابك والغبار الأطيب
قول صحيح صادق لا يكذب
أنف امريء ودخان نار تلهب
ليس الشهيد بميت لا يكذب




رابعاً : وجوب الثبات في الجهاد

ولما كان هذا هو شرف الجهاد وفضله أمر الله جل وعلا بالثبات أثناء الزحف للقاء الكفار والمشركين .

لأن قلب المؤمن ينبغي أن يكون راسخاً ثابتاً لا تهزمه في الأرض قوة ما دام موصولا بالله القوي العزيز : {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }[يوسف:21]

ويجب أن يكون هذا القلبُ كذلك على يقين أن الآجال بيد الله وأن واهب الحياة هو الله ، وأنه إلى الله إن عاش حياً إلى الله إن كتبت له الشهادة ، ومن ثم جاء هذا الأمر الرباني الكريم بالثبات والصبر والذكر ، والذل لله والطاعة وعدم الكبر ، وعدم التنازع فقال سبحانه :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ{45} وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{46} وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال :45-47]

فهذه هي العوامل الحقيقية للنصر :

· الثبات عند لقاء العدو .

· كثرة الذكر لله عز وجل .

· الطاعة لله والرسول r

· البعد عن النزاع والخلاف .

· الصبر على تكاليف المعركة .

· الحذر من البطر والرئاء والبغي .

واستحباب الصحبُ الكرام الذين رباهم سيد الأنام عليه الصلاة والسلام لهذا الأمر الرباني الكريم وضربوا أروع الأمثلة في الثبات في ساحة الوغي وميدان البطولة والشرف حينما تصمت الألسنة الطويلة ، وتخطب السيوف والرماح على منابر الرقاب ، وأكتفي بهذا المشهد الكريم لأنس بن النضر الذي صرخ في الناس يوم أحد لما أشيع الخبر بأن رسول الله قد مات ، وبدأ الجيش ينسحب راجعا إلى المدينة معتقدا أن أمر هذا الدين قد انتهى .

قام أنس ليقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين .

ثن تقدم فلقيه سعد بن معاذ فقال : أين يا أبا عمرو فقال أنس : واهاً لريح الجنة يا سعد ، إني أجده دون أحد ، ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل فما عرف حتى عرفته أخته ببنانه وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورميته بسهم !! والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أنس(1)

خامساً : التولي يوم الزحف كبيرة من الكبائر

وبعد هذا الأمر بالثبات يأتي الأمر بعدم الفرار إلا في حالتين اثنتين وإلا فإن الفرار من أرض المعركة كبيرة من كبائر الذنوب تستحق غضب الله ونار جهنم والعياذ بالله .

فقال سبحانه وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ{15} وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال : 16،15]

والتحرف : هو ترك الموقف أو المكان إلى موقف أو مكان أصلح أو أفضل للانطلاق منه على العدو مرة أخرى وهذا من خُدع الحرب ومكائدها .

والتحيز : هو الانضمام إلى فئة أخري لمعاونتهم أو لطلب العون منهم .

وهكذا دلت الآية على أن من فر من موقع إلى موقع آخر لمعاودة القتال أو مريداً إلى فئة أخرى من المسلمين فإنه لا يكون داخلا في هذا الوعيد الشديد اللاحق بالفارين من الزحف .

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الفرار من الزحف ليس كبيرة من الكبائر .

واحتجوا لذلك بأن الآية نزلت في أهل بدر خاصة .

وزعم بعضهم أن الآية منسوخة بقوله تعالى :

{الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} [الأنفال :66]

فأجاز هؤلاء الفرار إذا زاد عدد الأعداء عن الضعف .

ولكن جمهور أهل العلم ذهبوا إلى أن محكمة عامة كما يقول الإمام ابن جرير الطبري رحمة الله تعالى :

وأولى التأولين عندي قول من قال : حكم الآية محكم ، وأنها نزلت في أهل بدر وحكمها ثابت في جميع المؤمنين .

وأن الله حرم على المؤمنين إذا لقوا العدو أن يولوهم الأدبار منهزمين إلا لتحرف لقتال ، أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام .

وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف للقتال منهزما بغير نية إحدى هاتين الخصلتين اللتين أباح الله التولية بهما ، فقد استوجب من الله وعيده إلا أن يتفضل عليه بعفوه .

وذكر الحافظ ابن كثير بأن الآية نزلت في أهل بدر ، ولكن هذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراماً على غير أهل بدر ، وإن كان سبب نزولها فيهم كما دل عليه حديث أبي هريرة من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير .

وأخيراً : لا عزاء إلا بالجهاد .

والله ما ضعفت الأمة وذلت وهانت إلا يوم أن ضيعت الجهاد الذي أمرها به لتعيش حميدة أو لتلقى الله شهيدة سعيدة .

والله ما ضاعت الأمة إلا يوم أن ضيعت الجهاد الذي جعله النبي r ذروة سنام هذا الدين.

وقد حرص أعداؤنا على أن يحولوا بين الأمة وبين الجهاد !!

وحاولوا بشتى الطرق على ألا نربي الأجيال المسلمة على روح الجهاد ، ولا على سير الأبطال المجاهدين لتظل الأمة ذليلة كسيرة مبعثرة كالغنم في الليلة الشاتية الممطرة .

وبالفعل لقد تضاءل كثيراً مفهوم الجهاد في حس المسلمين يوما بعد يوم حتى صارت الدعوة إلى الجهاد تقابل بشيء من الفتور البارد الشديد .

بل لا أكون مغاليا إن قلت حتى صارت الدعوة إلى الجهاد تقابل بشيء من الإنكار الشديد .

والحمد لله فقد أثبتت الأيام عمليا أن مجلس الأمن وهيئة الأمم وجميع المحافل لن تعيد للأمة المكلومة حقوقها ، ولن تعيد لمن يذبحون تذبيح الخراف دماءهم ، ولن ترد لهذه الأمة هويتها وكرامتها وسيادتها .

بل لا سبيل لذلك على الإطلاق إلا باحياء روح الجهاد في الأمة بتخليص النفوس ابتداء من الركون إلى هذا الوحل ، والخلود إلى هذا التراب والطين .

وقد شخص النبي الداء تشخيصا دقيقا وحدد الدواء كذلك تحديدا دقيقا ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وغيره من حديث ثوبان أنه r قال : (( يوشك الأمم أن تداعى عليكم ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها )) فقال قائل : من قلة نحن يومئذ ؟ قال : (( بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن )) قيل : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : (( حب الدنيا وكراهية الموت ))(1)

وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد ، وأبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : (( إذا تبايعتم بالعينة ، ورضيتم بالزرع وتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد في سبيل الله سَّلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ))(2)

أسأل الله العظيم أن يرفع علم الجهاد ، ويقمع أهل الزيغ والفساد وإنه ولي ذلك والقادر عليه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
خادم الإسلام
المشـــرف العـــام
المشـــرف العـــام
خادم الإسلام


السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Pi-ca-22
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 125
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 012

السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Empty
مُساهمةموضوع: رد: السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل   السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Emptyالأحد 1 أغسطس 2010 - 16:46

عن البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: (( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟

قال ((الشرك بالله، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكلُ مال اليتيم، وأكلُ الربا، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات))(1).

ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة الأخيرة ألا وهي

قذف المحصنات الغافلات المؤمنات

وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في العناصر التالية.

أولاً : المعنى اللغوي.

ثانياً : شروط القذف وبما يثبت؟

ثالثاً : حكم القذف وعقوبته في الدنيا والآخرة.

رابعاً : نموذج من القذف البشع.

وأخيراً : صور مشرقة.

فأعيروني القلوب والأسماع، فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان .

أولاً : المعنى اللغوي.

جاء في لسان العرب لابن منظور :

القذف هو : الرمي والسَّب

ومعناه هنا : رمي المرأة بالزنا أو ما كان في معناه .

والمحصنات : جمع محصنة وهي المرأة المتزوجة .

والُمحْنَةُ ، والُحْصِنةُ كذلك : هي المرأة العفيفة البعيدة عن الريبة والشك .

والغافلات : من الغفلة ، وهي الترك والسهو .

والغافلات: هن البريئات الطوايا المطمئنات النفس لأنهن لم يفعلن شيئا يحذرونه، ويخفن منه.

ثانياً : شروط القذف وبما يثبت .

إن القذف لا يصبح جريمة تستحق الجلد إلا بشروط منها ما يجب توفره في القاذف ومنها ما يجب توفره في المقذوف ، ومنها ما يجب توفره في الشيء المقذوف به.



الشروط التي يجب توفرها في القاذف وهي :

*: العقل والبلوغ والاختيار .

وهذه الشروط هي أصل التكليف فإذا كان القاذف مجنوناً أو صغيراً أو مُكْرها فلا حد عليه . لقول النبي r في الحديث الذي رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والحاكم وغيرهم من حديث عليّ وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع أنه r قال : (( رُفِعَ القلمُ عن ثلاث ، عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ))

وفي لفظ ((عن المعتوه حتى يعقل)) ([1])

ولقوله r في الحديث الذي رواه الطبري عن ثوبان وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع أنه r قال : ((رُفِعَ)) ، وفي لفظ ((وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .)) ([2])

الشروط التي يجب توفرها في المقذوف وهي :

· العقل

· البلوغ (أيضاً) فلا يحد من قذف الصغير أو الصغيرة ، ولكن الإمام مالك رحمه الله يقول : إذا قذف بنتا قبل البلوغ ولكنها من الممكن أن يزنى بها والعياذ بها ، فإنه يستحق الحد لأنه قد يفسد عليها مستقبلها ويؤذي أهلها .

ولكن جمهور العلماء قالوا يَزر ، ولا حد عليه

· الإسلام : أي أن يكون المقذوف مسلماً

· العفة : أي يكون المقذوف عفيفاً بريئاً من فعل الفاحشة التي رمي بها .

· الحرية : أي أن يكون المقذوف حراً وإن كان قذف الحر للعبد محرماً .

لما رواه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص أنه r قال :

((من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قاتل )) ([3])

ولما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ، وهذا لفظ البخاري في كتاب الحدود أنه r قال :

(( من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جُلِدَ يوم القيامة إلا أن يكون كما قال )) ([4])

الشوط التي يجب توفرها في المقذوف به وهي :

التصريح بالزنا أو التعريض الظاهر الذي يفهم منه القذف ويستوي في ذلك القول والكتابة.

ويثبت حد القذف بأحد أمرين

* إما بإقرار القاذف نفسه .

* أو بشهادة الشهود عليه .

ثالثاً : حكم القذف وعقوبته في الدنيا والآخرة .

أحبتي في الله :

إن الإسلام منهج حياة متكامل لا يقوم أساسا على العقوبة ، إنما يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة ، وتحقيق الضمانات والوقاية .

ثم يعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ بهذه الأسباب الميسرة والضمانات الأمنية ليتمرغ في أحوال المعصية طائعاً مختاراً أو غير مضطر

ومن ثم يشدد الإسلام في عقوبة القذف جزافا هذا التشديد ويتوعد عليها بأشد الوعيد ، لأن ترك الألسنة تلقي التهم جزافا بدون بينة أو دليل بترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقذف بتلك التهمة النكراء ، ثم يمضي آمنا مطمئنا فتصبح الجماعة وتمسي ، وإذا أعراضها مجرحة وسمعتها ملوثة

وإذا كل فرد فيها متهم ومهدد بالاتهام !!

وإذا كل زوج فيها يشك في زوجه !!

وكل رجل فيها يشك في أصله !!

وكل بيت فيها مهدد بالانهيار !!

وهي حالة من الشك ، والقلق والريبة لا تطاق !! ([5])

ومن هنا ..... صيانة للأعراض وحماية للمجتمع ، شدد الإسلام في عقوبة القذف .

وأوجب عل القاذف إذا لم يقم البنية ثلاثة أحكام وهي :

الأول : أن يجلد ثمانين جلدة .

الثاني : أن ترد شهادته أبدا .

الثالث : أن يصبح فاسقاً ليس بعدل لا عند الله ولا عن الناس وهذا كلام متفق عليه بين العلماء ، ما لم يتب القاذف إلى الله جل وعلا .

وهذه الأحكام الثلاثة نصت عليها آية محكمة واحدة من سورة النور قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{4} إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور 5،4] .

أخرج أحمد وعبد الرزاق وأبو داود ، وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن مردوية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

لما نزلت هذه الآية قال سعد بن عبادة سيد الأنصار رضي الله عنه أهكذا أنزلت
يا رسول الله ؟!

فقال رسول الله r :

((يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقوله سيدكم ؟))

فقالوا : يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور ، والله ما تزوج امرأة قط إلا لكرا ، وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منَّا على أن يتزوجها من شدة غيرته .

فقال سعد بن عبادة رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني لأعلم أنها الحق، وأنها من الله ، ولكني تعجبت أني لو وجدت (لُكاعّا) – أي امرأة – قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى يأتي بأربعة شهداء فوالله لا آتي بهم إلا وقد قضى حاجته ))(1)

وفي رواية البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال :

(( لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فبلغ ذلك رسول الله r فقال: أتعجبون من غيرة سعد ؟ والله لأنا أغير منه والله أغير مني ، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ))(2)

وبالفعل لم يلبثوا إلا يسيرا ، وقد وقع ما ذكره سعد بن عبادة رضي الله عنه .

ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ، وأحمد من غيرهم من حديث ابن عباس رضي الله عنها قال :

فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشاءً فوجد عند امرأته رجلا يزني بها يقال له شريك بن سحماء فرأى هلال بن أمية بعينيه ، وسمع بإذنيه فلم يهيجه، حتى أصبح فغدا على رسول الله فقال : يا رسول الله ، إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني !!

فكره رسول الله ما جاء واشتد عليه واجتمعت عليه الأنصار ، وقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة .

وهكذا أيها الأحبة قذف هلال بن أمية زوجته عند النبي r بشريك بن سمحاء .

فقال النبي r : (( البينة أو حد ظهرك )).

فقال هلال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة ؟

فجعل النبي يقول : (( البينة ، أو حد ظهرك ))

فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبريء ظهري من الحدِّ! يقول ابن عباس : فوالله إن رسول الله يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله الوحي، وكان إذا نزل الوحي عرفوا ذلك فأمسكوا حتى فرغ من الوحي .

فنزل قول الله تعالى(*) :{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ{6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ{7} عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ{8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ{9} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } [النور: 6-10].

فَسُرِّيَ عن رسول الله وقال :

((أبشر يا هلال فلقد جعل الله لك فرجا ومخرجا)) فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي عز وجل فقال رسول الله : ((أرسلوا إليها )) فجاءت .

فتلا النبي r عليهما الآيات فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا .

فقال هلال : والله يا رسول الله لقد صدقت .

فقالت زوجته : كذب

فقال رسول الله : (( لاعنوا بينهما ))

فقيل لهلال : اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين .

فلما كانت الخامسة : قيل يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة عليك العذاب .

فقال هلال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها .

فشهد في الخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين .

ثم قيل للمرأة إشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين .

وقيل لها عند الخامسة : اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة عليك العذابك .

فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف .

ثم قالت : والله لا أفضح قومي .

فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين !! .

فَفَرَّق رسول الله r بينهما وقضى بأن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها .

ثم قال رسول الله: ((إن جاءت به (أي ولدها) أكحلُ العينين سابغ الألْيَتَيْن خَدَلَّج الساقين فهو لشريك بن سحماء))

فجاءت به كذلك .

فقال رسول الله : (( لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن )) ([6])

وثبت أيضاً في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي أن آيات اللعان نزلت في عُويمر العجلاني .

ويتبين لنا أيها الأحبة أن اللعان بمنزلة البينة للرجل الذي رأى مع امرأته رجلاً ولا يمكنه أن يأتي بالبينة .

ويترتب على اللعان الأحكام التالية :

أولاً : الفرقة بين الرجل وزوجته .

ثانياً : تحرم عليه تحريماً أبدياً .

ثالثاً : ينتفي عنه النسب فلا ينسب الولد إليه .

رابعاً : يسقط عنه حد القذف .

خامساً : وجب على المرأة الرجم .

فإذا لا عنت الزوجة أيضاً وشهدت أربع شهادات بالله أن زوجها لمن الكاذبين ثم قالت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان زوجها من الصادقين فيما رماها به .

فإنه لا يتعلق بلعانها إلا حكم واحد وهو سقوط الحد عنها .

هذا هو حكم القذف . وهذه هي عقوبة القاذف في الدنيا .

أما عقوبته في الآخرة فإنها والله لقاسية يقول الله عز وجل :

{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{23} يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{24} يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور : 23-25]

رابعاً : نموذج من القذف البشع

من هذه النماذج البشعة ما حدث للطاهرة العفيفة .. الحصان الرزان الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها !!

وتعالوا بنا أيها الأحباب نستمع إلى القصة كما ترويها أمنا أم المؤمنين عائشة تقول رضي الله عنها وأرضاها :

كان رسول الله r إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه .قالت : فأقرع بيننا في غزاة غزاها ، فخرج سهمي فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه .

فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار وفي رواية : جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه .

وأقبل الرهط الذي كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوا على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن ولم يغشهن اللحم وإنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا .

فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس فيه أحد فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت. وكان صفوان ابن المعطل السلمي ثم الذكواني عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني .

وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهه بجلبابي والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه .

وهوى حتى أناخ راحلته فوطيء عليها يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش قالت : فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول.

والحديث بطوله رواه البخاري ومسلم وغيرهما .

وفي بعض الروايات أن عبد الله بن أبي سلول لما رأى صفوان بن المعطل رضي الله عنه جاء مقبلاً يجر الراحلة بهودج أم المؤمنين رضي الله عنها .

قال رأس النفاق : من هذا ؟

قالوا : أم المؤمنين عائشة ،

فقال رأس النفاق : والله ما نجت منه ولا نجا منها !!

ثم قال – وبئس ما قال – امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها .

يا لها من قولة خبيثة .. يا لها من قولة شديدة آثمة وطير المنافق هذه القولة وتناولتها عصابات النفاق .. وسقط في الهاوية بعض المسلمين ولاكت ألسنتهم هذه الفرية المرعبة!!

وماجت المدينة المطهرة بهذا الخبر الأليم شهراً كاملا!!

الله أكبر ... رسول الله يرمى في طهارة فراشه وهو الطاهر الذي فاضت طهارته على العالمين !!

رسول الله يرمى في صيانة حرمته وهو القائم على صيانة الحرمات في أمته!!

ها هو رسول الله يرمى في كل شيء حين يرمى في عائشة !!

يرمى في فراشه !! يرمى في شرفه !! يرمى في قلبه !! يرمى في رسالته !!

ولحكمة يعلمها اللطيف الخبير العليم يدع الله هذا الأمر شهراً كاملاً لا تنزل فيه آية على رسول الله r !!

ورسول الله r يتألم آلاماً تنوء الجبال الراسيات بحملها .

وها هي عائشة الصديقة ترمى في أعز ما تعتز به أي امرأة !!

ترمى في شرفها وهي التي ترتبت في العش الطاهر الرفيع !!

ترمى في إيمانها وهي الزهرة التي تفتحت في حقل الإسلام وبستان الوحي !! وعلى
يد مَنْ؟!

على يد سيد البشر محمد r .

وها هو أبو بكر الصديق يحطمه الألم وهو يرمى في عرضه !!

وفي من ؟! في ابنته زوج رسول الله r صاحبه وحبيبه ونبيه ورسوله الذي آمن به وصدقه.

ولكنه الصابر المحتسب القوي على آلامه وجراحه .

فيقول بمرارة مريرة :

والله ما رمينا بهذا في الجاهلية أفنرمى به في الإسلام !!

وها هو الصحابي الجليل الطيب الطاهر المجاهد في سبيل الله صفوان بن المعطل يرمى بخيانة نبيه في زوجه !!

فيرمى بذلك في إسلامه وفي أمانته وفي شرفه !!

الله أكبر ... إنها خطورة الكلمة !!

ونعود إلى أمنا أم المؤمنين الصديقة الطاهرة الشريفة العفيفة عائشة رضي الله عنها عندما علمت أن الناس تلكموا غيها وفي عرضها

تقول : فقلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟! أي بالإفك .

قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي

فدعا رسول الله r علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استبلث الوحي([7]) يشيرهما في فراق أهله .

قالت : فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم

فقال أسامة : هم أهلك ([8])يا رسول الله ولا نعلمن والله إلا خيراً .

وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير([9])

قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أظن أن البكاء فالق كبدي .

قالت فبينما أبواي جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي .

فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله r فسلم ثم جلس .

قالت : ولم يجلس عندي من يوم قيل ما قيل ؟

وقد مكث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء .

قالت فتشهد رسول الله r حين جلس ثم قال :

((أما بعد يا عائشة إنه قد بلغني عنك كذا كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله – عز وجل – وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إن أذنب واعترف بذنبه وتاب إلى الله ، تاب الله عليه )) ([10])

فلما قضى رسول الله r مقالته قلص دمعي حتى ما أحس عنه قطرة فقلت لأبي أجب عني رسول الله r فيما قال !!

قال : والله يا ابنتي ما أدري ما أقول لرسول الله r .

فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله فيما قال .

قالت : والله يا ابنتي ما أدري ما أقول لرسول الله r .

قالت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن

فقلت : إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث الناس به حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به لئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترف لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال :

{وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف/18] .

ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببرائتي .

ولكن والله ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحياً يتلى ، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري .

ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله r في النوم رؤيا يبرئني الله بها قالت : فوالله
ما رام([11]) رسول الله r مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله على نبيه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء([12]) حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي أنزل عليه .

قالت فَسُرِّ عن رسول الله r وهو يضحك وكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي : يا عائشة احمدي الله .

ومن الرواة من قال : أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك

فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله r .

فقلت : لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل برءتي فأنزل الله عز وجل.{إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ{11} لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ{12} لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{13} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{14} إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ{15} وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{16} يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{17} وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{18} إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }([13])[ النور / 11- 19] .

في مقابل هذه الصورة القاتمة البشعة (صورة الإفك) نرى هذه الصورة المشرقة الوضيئة.

إنه الفتى الذي لم يجاوز العاشرة من عمره إلا قليلاً .

إنه عمير بن سعد الذي مات أبوه وتزوجت أمه برجل ثري يقال له : الجلاس بن سويد الذي أحب عميراً حباً شديداً .

وفي السنة التاسعة للهجرة أمر النبي r المسلمين أن يستعدوا ويتجهزوا لغزوة تبوك وتسابق المؤمنون الصادقون وتكاسل المنافقون وذهب الفتى المؤمن عمير بن سعد ليقص على الجلاس ما رأى وما سمع من المؤمنين الصادقين الذين راحوا يبذلون كل ما يملكون لرسول الله r .

وإذ بالجلاس ينطق بعبارة تخرجه من الإسلام دفعة واحدة وتدخله في الكفر من أوسع أبوابه فلقد قال الجلاس لعمير : إن كان محمد صادقاً فيما يدعيه فنحن شر من الحمير !!!

فالتفت الفتى المؤمن عمير بن سعد إلى الجلاس وقال :

والله ما كان على ظهر الأرض أحد بعد رسول الله r أحب إليّ منك فأنت آثر الناس عندي وأجلهم على ولقد قلت مقالة إن ذكرتها فضحتك وإن أخفيتها خُنْتُ أمانتي وأهلكت نفسي وديني وقد عزمت على أن أمضي إلى رسول الله r وأخبره بما قلت فكن على بينة من أمرك . ومشى عمير بن سعد وأخبر النبي r بما سمع من الجلاس بن سويد . فاستبقاه الرسول r عنده وأرسل أحد أصحابه ليدعو له الجلاس فجاء الجلاس وحيا النبي r وجلس بين يديه .

فقال له النبي r : ما مقالة سمعها منك عمير بن سعد ؟!

وذكر له النبي ما قال . فقال الجلاس : كذب على يا رسول الله وافترى !! فما تفوهت بشيء من ذلك وإني أحلف بالله أني ما قلت شيئا مما نقله لك عمير !! والتفت الرسول r إلى عمير فرأى وجهه وقد احتقن بالدم والدموع تنحدر مدراراً من عينيه فتتساقط على خديه وصدره ، وهو يقول : اللهم أنزل على نبيك بيان ما تكلمت به واستجاب الله دعوة هذا الفتى المؤمن فغشيت رسول الله السكينة فعرفوا أنه الوحي فلزموا أماكنهم وسكنت جوارحهم ولاذوا بالصمت ، وتعلقت أبصارهم بالنبي r يتلو قول الله عز وجل :

{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}[التوبة:74]

فارتعد الجلاس من هول ما سمع ، وظل يصرخ : بل أتوب يا رسول الله !! بل أتوب يا رسول الله !! صدق عمير يا رسول الله وكنت من الكاذبين !!

وهنا توجه النبي r إلى الفتى البار .... إلى الفتى الصادق عمير بن سعد ودموع الفرح تبلل وجهه المشرق بنور الإيمان ، فمد الرسول الكريم يده الشريفة إلى أذن عمير وأمسكها برفق وقال : وفت أذنك ما سمعت وصدقك ربك يا عمير (1)

أسأل الله جل وعلا أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
خادم الإسلام
المشـــرف العـــام
المشـــرف العـــام
خادم الإسلام


السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Pi-ca-22
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 125
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 012

السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Empty
مُساهمةموضوع: رد: السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل   السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Emptyالأحد 1 أغسطس 2010 - 16:47

عن البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال:

(( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟

قال (( الشرك بالله ، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ مال اليتيم ، وأكلُ الربا ، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات ))(1) .

ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة الرابعة ألا وهي أكل الربا وسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم عن هذا الموضوع الخطير في العناصر التالية :

أولاً : حملة مرعبة على الربا في القرآن والسنة .

ثانياً : فما هو الربا ؟

ثالثا : الربا في الجاهلية .

رابعاً : ربا البنوك أخبث من ربا الجاهلية .

خامساً : بيوع ربوية محرمة .

سادساً : فهل من توبة ، وما هو الحل ؟

فأعيروني القلوب والأسماع فإن الموضوع جد خطير .

أولاً : حملة مرعبة على الربا في القرآن والسنة .

يقول الله عز وجل في سورة البقرة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275]

أحبتي في الله :

لقد أعلن القرآن حملة مفزعة وتهديدا مرعبا على النظام الربوي المقيت لأنه نظام يسحق البشرية – سحقا ، ويشقيها في حياتها أفرادا وجماعات ، ودولا وشعوبا ، لمصلحة حفنة من المرابين الكبار .

وينتهي إلى تركيز السلطة الحقيقية والنفوذ العملي على البشرية كلها في أيدي زمرة من أحط خلق الله وشرذمة ممن لا يرعون في البشرية إلاً ولا ذمة .

وهؤلاء المرابين هم الذين يداينون الناس أفرادا كما يداينون الحكومات ، والشعوب في داخل بلادهم ، وفي خارجها .

ومن ثم فهم لا يملكون المال وحده إنما يملكون من خلاله النفوذ والتحكم .

والكارثة الخطيرة التي تمت في العصر الحديث هي أن هؤلاء المرابين قد استطاعوا بما لديهم من سلطة هائلة داخل أجهزة الحكم العالمية ، وبما يملكون من وسائل التوجيه والأعلام في الأرض كلها .

استطاعوا أن يحفروا في عقول الكثيرين من البشر أن هذا النظام الربوي الخبيث هو النظام الذي لا يمكن أن تقوم قائمة للإقتصاد العالمي والداخلي إلا عليه .

وأنه هو الأساس الصحيح للنمو الاقتصادي .

وأن الذين يريدون إبطال هذا النظام جماعة من الخياليين .

وأنهم يتحدثون عن نظريات أخلاقية مجردة وعن مثل خيالية لا رصيد لها من الواقع ليستروا عورات هذا النظام الكالح الطالح الذي يمحق سعادة البشرية محقا والذي حرمه الله ورسوله .

وكيف يحرم الله ورسوله أمرا لا تقوم الحياة البشرية إلا به ؟!

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك:14]

ومن ثم فالنظام الإسلامي ، والنظام الربوي لا يلتقيان في تصور ، ولا يلتقيان في أساس ، ولا يتوافقان في نتيجة ومن هنا كانت هذه الحملة المرعبة المفزعة على الربا في القرآن والسنة .ففي الحديث الذي رواه مسلم ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والترمذي وغيرهم من حديث ابن مسعود ، وجاء عن عمر وعلي وغيرهم أن النبي r قال :

(( لعن رسول الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ، وقال هم سواء )) ([1])

وفي الحديث الذي رواه والبيهقي ، وابن ماجة ، والحاكم ، وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ومن حديث عبد الله بن مسعود أيضاً أن النبي r قال :

(( الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه )) ([2])

وفي الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير ، وأحمد في مسنده ورجاله رجال الصحيح وصححه الألباني في صحيح الجامع

عن عبد الله ابن حنظلة أن النبي r قال :

(( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية )) ([3])

وفي حديث سمرة بن جندب الطويل الذي رواه البخاري ، وفيه أن النبي r قال :

(( أنه آتاني الليلة آتيان ، وأنهما قالا لي انطلق فانطلقنا فأتينا على نهر من دم ، وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل وبين يديه حجارة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيغفر له فاه فيلقمة حجراً فينطلق يسبح ثم يرجع إليه ، كلما جاء ليخرج ، رماه الرجل على الشاطيء بحجر في فيه فيرجع كما كان )) ([4])

هذا هو شر الربا .

وهنا نخلص إلى العنصر الثالث لنتعرف على ربا الجاهلية .

أولاً : ربا النسيئة (أي التأجيل)

وهو أن يعطي الرجل ديناً لرجل آخر إلى أجل معلوم ، فإذا حل الأجل المحدد بينهما ولم يستطع المدين السداد أعطاه الدائن مهلة في مقابل الزيادة الربوية .

يقول مجاهد : كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل دين فيقول : لك كذا ، وكذا (أي من الزيادة) وتؤخر عني فيؤخر عنه .

يقول الإمام أبو بكر الجصاص في كفاية أحكام القرآن :

إن ربا الجاهلية إنما كان قرضاً مؤجلا بزيادة مشروطة ، فكانت الزيادة بدلا من الأجل فأبطله الله تعالى .

والربا في هذا النوع واضح بّيَّنْ تتوفر فيه كل العناصر الأساسية لكل عملية ربوية وهذه العناصر هي :

أولا : الزيادة على أصل المال .

ثانياً : الأجل والزمن الذي يحدد نسبة الزيادة على أصل المال ، أو الذي من أجله تعطى هذه الزيادة على قدر مكث هذا المال لدى الآخر .

ثالثاً : الفائدة المشروطة المضمونة .

وعليه فإن كلَّ من تعامل يشتمل على هذه العناصر الثلاثة فهو تعامل ربوي ، وإن تغير مسماه للتحايل على شرع الله ، وهذا النوع أبطله الإسلام وحرمه القرآن .

ثانياً : ربا الفضل

وهو أن يبيع الرجل الشيء بالشيء من نوعه مع الزيادة .

وفي الصحيحين عن أبي سعيد ، وأبي هريرة أن رسول الله r استعمل رجلاً على خيبر فجاء بتمر جَنِيبٍ ( أي طيب) فقال رسول الله : (( أكُلَّ تمر خيبر هكذا ؟ فقال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة فقال النبي r لا تفعل بع الجمع (أي الرديء ، أو المجموع من أنواع مختلفة ) بالدراهم ثم اْبتَعْ بالدراهم جنيبا)) ([5])

وفي رواية لمسلم عن أبي سعيد قال : (( جاء صاحب نخلة بصاع من تمر طيب فقال له النبي r أنىَّ لك هذا ؟ قال انطلقت بصاعين فاشتريت به هذا الصاع ، فإن سعر هذا في السوق كذا ، وسعر هذا كذا ، فقال رسول الله r ويلك : أرْبّيْت إذا أردت ذلك فبع تمرك بسلعة ، ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت )) ([6]).

وزاد النبي r هذه المسألة توضيحا جليا فقال كما في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت : (( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلا يدا بيد سواء بسواء ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي سواء )) ([7]).

وفي رواية لمسلم : (( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد )) .

وفي لفظ للبخاري (( لا تبيعوا بالذهب إلا سواء بسواء ، والفضة بالفضة إلا سواء بسواء، وبيعوا الذهب بالفضة ، والفضة بالذهب كيف شئتم )) ([8]) فالتبادل بين الذهب والفضة مثلا تبادل حر يمكن فيه التفاضل بشرط التناقد أي التقايض في المجلس الواحد ، وهكذا فعبارة مثلا بمثل يفهم منها أن تشترط الاتفاق في النوعية وعبارة يدا بيد تشترط التقايض في المجلس .

وعبارة سواء بسواء تشترط التساوي في المقدار ، وعدم جواز الفضل .

رابعاً : ربا البنوك

لا شك أن وجود البنوك في العصر الحديث ضرورة تستوجبها الظروف الاجتماعية والاقتصادية ، والتجارة الخارجية .

ولكن ليس بالضرورة أن يقوم هذا النظام البنكي على الربا بل يمكن الاستفادة منه في تيسير المنافع ، والخدمات التي يحتاج إليها الناس ضمن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة وفقا للتصور الإسلامي الموجود بالفعل ، للتخلص من هذا النظام الربوي ، والذي يمسك به دهاقنة اليهود في العالم الذين استطاعوا بالفعل أن يؤثروا على كثير من المسلمين، ومن العلماء للتفرقة بين الربا المحرم ، وبين ربا البنوك وبالفعل سميت المعاملات الربوية البنكية بأسماء بعيدة لإزاحة الشبهات المتعلقة بالربا كلفظ الفائدة ، أو العمولة ، أو العائد، أو السحب على المكشوف ، أو الحساب الجاري المدين ، أو سندات الخزينة التي تسمى بشهادات الاستثمار .... الخ .

وظهرت الفتاوى بأنه يجب النظر إلى هذه البنوك على أساس مصالح الناس في معاشهم فإن كان لا يتم معاشهم إلا بها فهي جائزة دفعا للحرج الواجب دفعه عملاً بنص القرآن :

{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}
[ الحج : 78]

فمصلحة الناس في الأصل أن لا تصادم هذه المصلحة نصا شرعيا وأن المرجع الأول في التشريع النقل ، وليس العقل .

ومن المعروف لكل أحد أن النظام البنكي يقوم على فلسفة الفائدة وبالتالي فإن طبيعة الأعمال البنكية في الغالب ، وبصفة عامة لا تخرج عن دور الوساطة بين المودعين والمقترضين بفائدة مشروطة على الجميع ولكنها تزيد كثيرا في حالة الإقراض عنها في حالة الإيداع ، وهذا هو الربا بعينه .

فلقد توفر فيه جميع العناصر الربوية التي ذكرناها آنفا .

ولقد أصدرت المجامع الفقهية التي يجب أن يعتمد عليها لا على فتاوى الأفراد فالفرد يخطيء ويصيب .

أصدرت هذه المجامع الفتاوى بحرمة فوائد البنوك ، وأنها بعينها هي الربا المحرم .

كفتوى المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي لعام 1976م الذي حضره الكثرة من علماء الاقتصاد وقتها ، والشريعة على مستوى العالم وأجمع الجميع على اعتبار فوائد البنوك من الربا المحرم .

وكفتوى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في أكتوبر لعام1986

وكفتوى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي لعام1986م ، والتي قالت : بأنه يحرم على كل مسلم أن يتعامل مع البنوك الربوية من الداخل والخارج .

وكفتوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ 12 يناير لعام 1980 ، بأن إيداع الأموال في البنوك بفائدة محددة مقدما من الربا المحرم شرعا .

وغيرها الكثير والكثير ، وإلى جوارها العديد من الفتاوى .

وكفتوى إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة التي نصت على تحريم الفوائد الربوية ، والتعامل مطلقا مع أي بنك ربوي والفتوى برقم 2828

وأما ما يعرف بالقرض الإنتاجي الإستهلاكي فقد أفتى مؤتمر علماء المسلمين المنعقد بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بأن الفائدة على أنواع القروض ربا حرام لا فرق بين ما يسمى بالقرض الإستهلاكي أو الإنتاجي .

أما ما يسمى بسندات الخزينة أو شهادات الاستثمار فهي بدعة جديدة لتضليل الناس . وما هي في الحقيقة إلا قرض بزيادة مشروطة محددة في نظير الزمن ولا يمكن على الإطلاق أن يغير المسمى حقيقة الربا .

فالعبرة في المعاملات بحقيقتها ، وليست بألفاظها وأسمائها ، فهذه الشهادات ذات القيمة المتزايدة وذات العائد الجاري ، أو الدولارية ، أو غيرها تجمع بين الربا والقمار المحرم ، بل وتجمع بين ربا النسيئة وربا الفضل . وجميع الشبه التي يحتجون بها على الجواز إنما هي شبه عرجاء ، وكل امريء بما كسب رهين .

من البيوع المحرمة التي ابتلي بها كثير من الناس وأريد أن أنبه إليها ما يسمى (( بيع العينة )) .

وهي قرض ربوي مستتر بمعنى أن يشتري الرجل السلعة سيارة مثلا بمائة ألف ثم يبيعها مرة أخرى إليه أي إلى البائع بخمسة وتسعين ألفا مثلا ولذا يسمى بيع العينة لأن عين السلعة تعود إلى البائع مرة أخرى ولا يتسع الوقت لذكر أنواع أخرى من البيوع ، ولكني أكتفي بهذا لكثرة ابتلاء الناس به والعياذ بالله .

وأخيراً : فهل من توبة وما الحل ؟

قال تعالى :

{وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } [البقرة279]

والحل هو الاستثمار والتجارة الحلال ، فإذا كانت لا تملك أن تستثمر مالك أو أن تتاجر فيه لا سيما إذا كنت مرتبط بعملك كطبيب ، أو مهندس ، أو مدرس ، أو غير ذلك .

ونحن نعيش زمانا ضعف فيه الإيمان ، وخربت فيه الذمم ، وحُورب كثير من المشاركات الاقتصادية الإسلامية الخيرة فأمامك هذه الأفرع الإسلامية التي انتشرت الآن في بلاد المسلمين .

فالحمد لله أن وجد بعض البنوك الإسلامية التي يشرف عليها مجموعة من العلماء أو ما يسمى بعيئة الرقابة الشرعية .

ولا تكلف نفسك من الأمر ما لا تطيق بالسماع لكل من يشكك في كل ما هو إسلامي .

فذاك مقصود لذاته ، ولا يمكن أبدا أن تقوم تجربة إسلامية في ظل هذه الظروف الربوية الرهيبة لتولد بنسبة مائة في المائة ، ولكن هذا من باب {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [التغابن:16]

وبذلك تكون قد أعذرت إلى الله عز وجل وعلا ، ونسأل الله أن يطهر أموالنا .........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
خادم الإسلام
المشـــرف العـــام
المشـــرف العـــام
خادم الإسلام


السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Pi-ca-22
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 125
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل 012

السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Empty
مُساهمةموضوع: رد: السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل   السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل Emptyالأحد 1 أغسطس 2010 - 16:48

عن البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال:

(( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟

قال (( الشرك بالله ، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ مال اليتيم ، وأكلُ الربا ، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات ))(1) .

ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة الخامسة في هذا الحديث ألا وهي أكل مال اليتيم ..

ويا لها من كبيرة وقع فيها كثير من الناس نسأل الله السلامة والعافية . ونظراً لخطورة هذا الموضوع وطوله فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في العناصر التالية :

أولاً : من هو اليتيم .

ثانياً : مكانة اليتيم في القرآن والسنة وفضل كافله .

ثالثاً : عاقبة من يأكل مال اليتيم .

رابعاً : يُتم رغم وجود الوالدين .

وأخيراً : كيف تؤمن مستقبل ولدك بعد موتك ؟!

فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان .

أولاً : من هو اليتيم ؟

جاء في لسان العرب لابن منظور :

أن اليتيم في الناس من فقد أباه وأن اليتيم في الحيوانات ، والطيور من فقد أمه .

وهذه لطيفه لغوية دقيقة لها مغزى قَلَّ من ينتبه إليها .

وأصل اليُتم في اللغة هو الغفلة وبه سمي اليتيم يتيماً لأنه يُتغَافل عن بره بعد موت أبيه .

وأصله أيضاً الانفراد فكل شيء مفرد بغير نظيره فهو يتيم كما يقال درة يتيمة
أي منفردة.

ثانيا : مكانة اليتيم في القرآن والسنة وفضل كافله .

لقد أولى القرآن الكريم عناية كبيرة باليتيم من الناحية النفسية والتربوية ، ومن الناحية المادية على السواء .

مراعاة لظروفه النفسية بعد فقده لأبيه إذ قد يصيبه شيء من الذل والانكسار والوحشة لا سيما إن كان أبوه ممن امتثل قول الله عز وجل وعلا :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم:6]

ولقد ظهرت هذه العناية الكريمة باليتيم منذ الفترة الأولى لتنزل الوحي على قلب حبيبه الذي ولد يتيما فكان يُتْمُهُ تشريفاً لكل يتيم !!

فهو اليتيم الذي أعاد البسمة والسعادة لليتامى على ظهر الأرض وها هو ربنا جل وعلا يمتنُّ على حبيبه المصطفى بهذه النعمة والمنة فيقول :

{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى{6} وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى{7} وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى } [الضحى : 6-8]

أي ولدت يتيما فآواك الله .

وأحاطك بعنايته وحفظه وفضله .

وكنت فقيرا فأغنى الله نفسك بالقناعة والرضي ، ثم أفاض عليك الرزق الطيب الحلال ، وكنت تائها تبحث عن الطريق في بيئة جاحدة ونفوس شاردة ، وهاجرة محرقة فهداك الله وطمأن قلبك وشرح صدرك ، ورفع ذكرك ، ووضع وزرك .

ومن ثم بعد كل هذه النعم والمنن ، وبعد كل هذا الفضل والفيض يأتيه التوجيه الرباني الكريم :

{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ{9} وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ{10} وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}

[الضحى : 9-11]

ومن هذا المنطلق الكريم بالاهتمام بأمر اليتيم .

يأمر الله جل وعلا بالمحافظة على أموال اليتامى ، وعدم تبديدها ، أو تبديلها بالخبيث أو المتاجرة بها فيما حرم الله عز وجل ، فإن هذه الأموال أمانة عند ولي اليتامى سيسأل عنها بين يدي الله جل وعلا . فيقول سبحانه :

{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [النساء:2]

ويقول سبحانه : {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الأنعام:152]ٍ

وأوجب الله على ولي اليتامى أيضا : ألا يُسْرِف في الإنفاق منها وحذره من المبادرة والإسراع إلى أكلها قبل أن يكبر أصحابها من اليتامى ليأخذوها فإن هذا من أعظم الذنوب والآثام .

وأوجب الله تعالى على ولي اليتامى إن كان غنيا أن يستعفف عن الأكل من أموال اليتامى وإن كان فقيرا فله أن يأكل بالمعروف من غير إسراف ، ولا تبذير وفي أضيق الحدود .

وأوجب الله على ولي اليتامى أيضا أن يرد أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا النكاح ، أو مرحلة الرشد والنضج ، وأصبحوا قادرين على تصريف أمورهم وتدبير شئونهم والمحافظة على أموالهم .

وأمره أن يُشْهِدَ عند دفع هذا المال إبراء للذمة ودرأ للشبهة .

ورأى الشافعية والمالكية أن الأمر هنا للوجوب ورأى الحنفية أن الإشهاد مندوب وليس بواجب .

فقال سبحانه : {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً } [النساء:6]

ومن الآيات القرآنية التي تؤكد وتُرَسَّخ هذه المعاني قول الله عز وجل : {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [الإسراء:34]

ويقول عز وجل : {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [النساء:2]

ويقول عز وجل : {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً } [النساء:6]

ويا لها من خاتمة جليلة { وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً } .

فالله هو الرقيب عليكم الشهيد على أعمالكم ، وأقوالكم وأحوالكم يحاسبكم على ما أظهرتم وما أسررتم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .

وصدق الله إذ يقول :

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء:47]

ومن بين هذه الآيات القرآنية الكريمة هذه الآية التي تكرم اليتامى أعظم تكريم حيث يربط الله جل وعلا أمر الإحسان إليهم بعد الأمر بتوحيده وعبادته عز وجل . فيقول سبحانه :

{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } [النساء:36]

ومع أن كل هذه الآيات السابقة تشتمل على اليتيم واليتيمة إلا أن الله جل وعلا قد خص اليتيمة أيضا بهاتين الآيتين زيادة في تأكيد حقها وتوضيحه فيقول سبحانه :

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} النساء3

يقول سبحانه :

{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً}النساء127

وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن عروة بن الزبير رضي الله عنه سأل عائشة رضي الله عنها عن الآية الأولى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }النساء3

فقالت عائشة رضي الله عنها : يا بن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد ولُّيها أن يتزوجها بغير أن يُقسطَ في صَداقِها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره .

فنُهوا أن ينكوحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سُنَّتهنَّ في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن .

قال عروة : قالت عائشة : وإن الناس استفتوا رسول الله بعد هذه الآية ، فأنزل الله (1) : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } [النساء:127]

وفي صحيح البخاري ، ومسلم وغيرهما أن عروة بن الزبير سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى ..... الآية} [النساء:3]

فقالت يا بن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص صداقها فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق ، وأمروا بنكاح من سواهن ([1]).

قاتلت عائشة فاستفتى الناس رسول الله بعد ذلك فأنزل الله تعالى : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء ... الآية}

فبين الله لهم أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال ورغبوا في نكاحها ، ولم يُلحقوها بسُنَّها في إكمال الصداق .

وإذا كانت مرغوبا عنها لقلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء .

وقالت عائشة فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق ، ثم تأتي السنة ليقوم صاحبها r الذي كان يتيماً تشريفاً لكل يتيم ، تأتي هي الأخرى لتكرم اليتيم تكريماً هو من الذروة بمكان .

فوالله لو لم يرد في السنة إلا هذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي r قال :

(( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار بالسبابة والوسطى )) ([2])

لو لم يكن فيها إلا هذا الحديث لكفى .

وفي لفظ مسلم : ((كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ، وأشار بالسبابة والوسطى)) ([3])، أي حتى وإن كان اليتيم أجنبياً عنه ولقد نقل الحافظ ابن حجر قول ابن بطال :

حق على كل من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي r في الجنة ، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك([4]).

وفي الحديث الذي رواه أبو يعلي وغيره وقال عنه الحافظ ابن حجر في الفتح : إسناده لا بأس به ، من حديث أبي هريرة عن النبي r قال : (( أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أني أرى امرأة تبادرني [ أي تسرع لتدخل معي الجنة] فأقول لها مالك ، ومن أنت ؟! : فتقول : أنا امرأة قعدت على أيتام لي )). ([5])

وفي الحديث الذي رواه النسائي بسند جيد من حديث شريح خويلد بن عمرو الخزاعي رضي الله عنه أن النبي r قال : (( اللهم إني أخرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة )) ([6])

ومعنى أحرج أي ألحق الحرج والإثم الشديد على من ضيع حقهما ، وأكل مالهما فإني أحذر من ذلك تحذيرا بليغا ، وأزجر عنه زجرا كبيرا .

وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما قال : (( رأى سعد أن له فضلا علي من دونه فقال النبي r : (( هل تنصرون وبرزقون إلا بضعفائكم ))

رواه البخاري ([7])مرسلا ووصله الحافظ أبو بكر البرقاني في صحيحه وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي r قال :

((الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله ، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل )) ([8]) .

الله أكبر .... والأرملة هي المرأة التي مات زوجها .

أي فضل هذا وأي أجر ؟!

والله إنها التجارة الرابحة في الدنيا والآخرة .

فهذه هي مكانة اليتيم في القرآن والسنة .

ثالثا : عاقبة من يأكل مال اليتيم

ومن ثم يأتي التحذير الرهيب والإنذار الرعيب الذي يفزع القلوب الحية ليبين عاقبة آكل مال اليتيم فيقول جل وعلا :

{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:10]

الله أكبر ... إنها صورة مفزعة ... صورة النار في البطون ..... وصورة السعير في نهاية المطاف .

وقد هزت هذه الآية قلوب الصحابة هزا عنيفا وملأتها بالخوف والرهبة ووقعوا في حرج شديد .

كما قال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية ، انطلق كل من كان عنده يتيم فعزل طعامه عن طعامه ، وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء أي يتبقى من أكل اليتيم فيحبس له ، ولا يأكله أحد حتى يأكله اليتيم ، أو يفسد .

فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله r فأنزل الله عز وجل قوله تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة:220]

فخلطوا طعامهم بطعامهم ، وشرابهم بشرابهم .

وهكذا رفع المنهج القرآني هذه الضمائر إلى الأفق الوضيء ، وطهرها من غبش الجاهلية ذلك التطهير العجيب ([9]).

رابعا : يُتْمَّ رغم وجود الوالدين

نعم فقد يكون الوالدين موجودين على قيد الحياة ، ومع ذلك فإنك ترى أطفالهم كأنهم في عداد الأيتام لانشغال الوالدين بالعمل أو بغيره إذ الوالد منهمك في عمله وتجارته لا يدري عن حال أولاده شيئا والمرأة منشغلة كذلك بالعمل ، أو بالأسواق ، أو بأحدث الموضات وتخلت عن تربيته للخادمات أو الحاضنات ، فينشأ الطفل كما لو كان يتيما !!!

ورحم الله من قال :

ليس اليتيم من انتهى أبواه
إن اليتيم هو الذي تلقى له



من الحياة وخلفاه ذليلا
أُمَّا تخلت أو أَباً مشغولا




نعم فاليُتم في أصل اللغة كما قال ابن منظور في لسان العرب :

هو أيضا الانفراد فإذا أمسى الطفل بانفراده ووحدته رغم والديه فهو يَحُسُ باليتم .

فالصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية من كل نقش وصورة ، وهو قابل لكل ما نقش عليها .

فإن عود الخير وربي على الإسلام ، سلم في الدنيا والآخرة ، وإن عود على الشر ، وربي على موائد اللئام شقى وخسر ، وكان الوزر على رأس والديه :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم:6]

وأخيراً : كيف تؤمن مستقبل ولدك بعد موتك ؟

والجواب من الله تعالى {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } [النساء:9]

فها هو عمر بن عبد العزيز يدخل عليه ابن عمه سلمة بن عبد الملك وهو على فراش الموت فقال : يا أمير المؤمنين إنك قد أقفرت أفواه ولدك من هذا المال !! فو أوصيت بهم إليَّ وإلى نظرائي من قومك فكفوك مئونتهم .

فلما سمع مقالته قال : أجلسوني فأجلسوه .

فقال : قد سمعت مقالتك يا مسلمة

أما قولك : إني أقفرت أفواه ولدي من هذا المال فوالله ما ظلمتهم حقا هو لهم ، ولم أكن لأعطيهم شيئا لغيرهم .

وأما ما قلت في الوصية : فإن من وصيي فيهم : {اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } [الأعراف:196]

وإنما ولد عمر بين أحد رجلين : إما رجل صالح فسيعينه الله ، وإما غير ذلك فلن أكون أول من أعانه بالمال آدع لي بَنيَّ فأتوه .

فلما رآهم ترقرقت عيناه وقال : نفسي فتية تركتهم عالة لا شيء لهم وبكى ، يا بني إني قد ترك لكم خيراً كثيرا تمرون بأحد المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقا .

يا بني إني قد مليت بين أمرين : إما أن تستغنوا وأدخل النار أو تفتقروا وأدخل الجنة فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إليّ .. قوموا عصمكم الله .. قوموا رزقكم الله ، وهذا لا يعارض أبدا الدخول في الأسباب ، فلا مانع على الإطلاق أن تسعى ، وأن تكدح شريطة ألا تضيع حق الله تعالى ثم حقوق أولادك من أجل أن توفر لهم السعادة في حياتك ، وبعد مماتك ، والأصل في ذلك

ما رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : (( جاءني رسول الله r يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله ، إني قد بلغ بي الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا ، قلت : فالشَّطر يا رسول الله : قال : لا ، قلت : فالثلث ؟ قال : فالثلث والثلث كثير ثم قال : إنك إن تّذَر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ))(1)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السبع الموبقات:اولا:الشرك بالله عز وجل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد
» الحديث الحادي والعشرون : قل آمنت بالله ثم استقم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتــــديات الاسلاميــة :: المنتـــــدى الاســــــــلامى العــــام-
انتقل الى:  
تسجيل سريع
التسجيل السريع

الاجزاء المشار اليها بـ * مطلوبة الا اذا ذكر غير ذلك
اسم مشترك : *
عنوان البريد الالكتروني : *
كلمة السر : *
تأكيد كلمة السر : *

.